الإمام الحسن بن علي عليهما السلام رائد العلم والسلام

هویة الکتاب

الإمام الحسن بن علي عليهما السلام رائد العلم والسلام

بقلم :أحمد السيد نوري الحكيم

موسسة مسجد السهلة المعظم

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين

المقدمة

الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام من أهل بيت النبوة ,وموضع الرسالة , لا يشكُ فيه إلا مرتاب في دينه .

فقد تعرض هذا الإمام العظيم إلى حملات هجومية كي يقللوا من عظمته وهيبته في كل زمان , فكانت البداية بتسميته وآخرها بمكان استشهاده ,ومابين البداية والنهاية حاول العابثون أن يطعنوا في حياته وما كان يفعله في سبيل أمة الإسلام إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل نتيجةً لما امتاز به من كرمٍ وخلقٍ عظيم,وقوة إرادة تنم عن قدرة هذه الشخصية بما لها من اقتدار في إدارة الحكم الإسلامي.

وهذه إطلالة على حياة الإمام الحسن عليه السلام كي يعيش القارئ الكريم بين إمامة الإمام بالأدلة القاطعة واعتراف التأريخ الإسلامي, وعلمه الذي ملأ الخافقين وذكائه في تفسير القرآن الكريم وكلماته التي تعبر عن الرحمة والرأفة لهذه الأمة المسلمة .

وليكن بذالك الإمام الحسن بن علي عليه السلام خالداً ابد الدهر شمساً مضيئة في سماء الإسلام ولا يتذكرها سوى أعمى البصر والبصيرة .

ولهذا نقدم :الإمام الحسن بن علي عليه السلام رائد العلم والسلام .

احمد السيد نوري الحكيم

النجف الأشرف

29\ربيع الثاني \ 1434هجرية

ص: 2

الفصل الأول: على ولادة الأمام الحسن بن علي عليه السلام

اشارة

ويشتمل: القسم الأول على ولادة الأمام الحسن بن علي عليه السلام.

والقسم الثاني : استشهاد الإمام عليه السلام.

ص: 3

القسم الأول : ولادة الإمام الحسن بن علي عليه السلام

لم يولد لبنت النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من فاطمة الزهراء عليها السلام ولا من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أول مولود سوى الامام الحسن عليه السلام .

وذلك بعد زواج الإمام علي بن أبي طالب(ع) من فاطمة(ع) . لما حملت فاطمة عليها السلام بالحسن فولدت وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرهم أن يلفوه في خرقة بيضاء فلفوه في صفراء .

وقالت فاطمة عليها السلام :يا عليَ سمه ,

فقال :ما كنت لأسبق باسمه رسول الله صلى الله عليه وآله فجاء النبي صلى الله عليه وآله فأخذه وقبّله وأدخل لسانه في فيه ,فجعل الحسن عليه السلام يمصّه ,

ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: ألم أتقدم إليكم أن تلفّوه في خرقة بيضاء ؟

فدعا بخرقة بيضاء فلفه فيها ورمى بالصفراء ,وأذّن في اٌذنه اليمنى , وأقام في اليسرى ,

ثم قال لعليّ عليه السلام: ما سميته ؟

فقال :ما كنت لأسبقك باسمه ,

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ما كنت لأسبق ربّي باسمه ,فأوحى الله جل ذكره إلى جبرائيل عليه السلام أنه قد ولد لمحمد ابن فاهبط إليه فأقرئه منّي السلام وهنئه منّي ومنك ,

وقل له : إن عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى فسمّه باسم ابن هارون.

فأتى جبرائيل النبي صلى الله عليه وآله وهنّأه وقال له كما أمره الله تعالى به أن يسميّ ابنه باسم ابن هارون , قال :وما كان اسمه ؟ قال :شبر .قال : لسان عربيّ .

ص: 4

قال : سمّه الحسن فسمّاه الحسن .(1)

وكان ذلك في الخامس عشر من شهر رمضان المبارك من السنة الثالثة للهجرة النبوية الشريفة .

أول اسم في الإسلام

أسم الإمام الحسن لم يكن معروفاً في الجزيرة العربية , ولم تعرفه العرب آنذاك حتى جاء نبي الإسلام مبعوثاً من قبل السماء فعرفهم ذلك ,

ولذلك قال الشّبَراوي :(فهو الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وريحانته وسيد شباب أهل الجنة الخليفة بن الخليفة سماه جده صلى الله عليه وآله وسلم الحسن ولم يعرف ذلك الاسم في الجاهلية )(2).

الطعن في اسمه الشريف

من غير الإنصاف أن نطعن بما سمته السماء وذلك حينما تكون الغاية من ذلك إنكار حق السماء ,بل الطعن بولد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم .

فقد ذكر ابن طلحة : اعلم أن هذا الاسم الحسن سماه جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنه لما ولد عليه السلام قال الرسول : ما سميتموه ؟

ص: 5


1- معاني الاخبار – الشيخ الصدوق –ص 57
2- الاتحاف بحب الاشراف – عبد الله الشبراوي – ص 34ا

قالوا حرباً , قال : بل سموه حسناً(1).

وقال ابن الصباغ : فلما كان اليوم السابع من مولده قال صلى الله عليه وآله وسلم :ما سميتموه ,

قالوا: حرباً .

قال صلى الله عليه وآله وسلم :بل سموه حسناً .(2)

أوهام

وهذه الأخبار إن دلّت على شيء فإنما يدل على انه لم يكن هنالك خبر من السماء ,وإنما كان اسم حرب معروف بين المسلمين ولذلك آثر الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام هذا الاسم على غيره لولده .

ولما امتاز أمير المؤمنين عليه السلام من القوة والشجاعة والفروسية,وهذا ديدنه .

ولعل الغاية من ذلك هو استذكار الإمام للحروب التي سوف يخوضها في المستقبل القريب ,وحينئذ فيكون ذلك حافزاً للدفاع عن دينه .

رد الأوهام .

أولاً : ليس من أخلاق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أن يسبق الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في تسمية الوليد العلوي خصوصاً وهو القائل ( ولقد كنت أتبعه- رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – إتباع الفصيل أثر أمه , يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً, يأمرني بالاقتداء به )

ص: 6


1- المطالب السؤول في مناقب آل الرسول – كمال الدين بن طلحة الشافعي – ص 226
2- الفصول المهمة –علي بن محمد المالكي الشهير بابن الصباغ – ص14

ثانياً: ومن تعاليم النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: يا علي حق الولد على والده أن يحسن اسمه وأدبه , ويضعه موضعاً صالحاً )((1))

وإنّ ذكر الحرب ليس من الأسماء المستحسنة في الإسلام . بل من أنكر الأسماء لما تعبر عنه الحرب من بشاعة القتل والثأر وغير ذلك.

ثالثاً: إن تسمية الوليد باسم الحرب يكون ذريعة لأعداء الإسلام إلى أن يتخذوا من هذه الأسماء وسيلةً للقضاء على كل من يعاديه ,ولا يدعوهم بالحسنى. والمحبة والسلام. بل مما يؤدي إلى النفور من هذا الدين الذي جاء عن طريق رسول الإسلام و السلام.

رابعاً: تقديم اسم الحرب على اسم ذكرته السماء إنما جاء لغاية من قبل من يريد الطعن بأخلاق علي بن أبي طالب (عليه السلام).

سنن النبوة

أ-أذن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أذن الإمام الحسن عليه السلام .

ب-أقام في أذنه اليسرى وقال: (صلى الله عليه وآله وسلم ) فإنه لا يفعل ذلك إلا عُصم من الشيطان(2)

ج-أمر ألرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة (عليها السلام ) أن تحلق رأس الإمام الحسن عليه السلام .

د-التصدق بوزن شعر الإمام الحسن (ع)فضةً(3)

ص: 7


1- من لايحضره الفقيه –الصدوق – ج1 –ص269
2- الفصول المهمة –لابن الصباغ-ص143
3- الاتحاف بحب الاشراف –الشبراوي –ص34

كل هذه الأمور أمر النبي بفعلها ولم يكن المسلمون يفعلونها .فهي أول سنة فعلها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بحق ولده الإمام الحسن عليه السلام .

ص: 8

القسم الثاني : استشهاد الإمام الحسن عليه السلام

إن الإمام الحسن بن علي (ع)قد سقي السم مراراً من قبل أعدائه حتى كان آخر من سقته السم زوجته جَعدة بنت الأشعث.

فقد روى الحافظ أبو نعيم بسنده في حليته عن عمير بن إسحاق قال: دخلت أنا ورجل على الحسن بن علي نعوده , فقال : يا فلان سلني.

قال :لا والله لا نسألك حتى يعافيك الله ثم نسألك .

قال :ثم دخل ثم خرج إلينا . فقال :سلني قبل أن لا تسألني .

قال:بل يعافيك الله ثم نسألك,

قال :لقد ألقيت طائفة من كبدي وإني قد سقيت السم مراراً فلم اسق مثل هذه المرة.

ثم دخلت عليه من الغد وهو يجود بنفسه والحسين عند رأسه,

فقال : يا أخي مَن تتهم .

قال :لمَ ؟ لتقتله؟

قال : نعم .

قال :إن يكن الذي أظن فالله أشد بأساً وأشد تنكيلاً وإلا يكن فما أحب أن يقتل فيّ بريء .

ودفن بالبقيع وكان تحته إذ ذاك جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي , فذكر أنها

سمته (1) .

وقال أبوعلي الفضل بن الحسن الطبرسي في كتابه (أعلام الورى )بعد أن تم الصلح بين الحسن ومعاوية وخرج الحسن إلى المدينة وأقام بها عشر سنين , سقته زوجته

ص: 9


1- مطالب السؤول في مناقب آل الرسول –ابن طلحة الشافعي –ص 245

جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي السم وذلك بعد أن بذل لها معاوية على سمه مائة ألف درهم فبقي مريضاً أربعين يوماً0 (1)

وقال الشّبراوي : ولما علم يزيد بن معاوية أنه عهد إليه بالخلافة دس إلى زوجته جعدة بنت الأشعث أن تسمه ويتزوجها فلما فعلت أرسلت إليه ليفي بالوعد فأرسل إليها إنا لم نرضك للحسن أفنرضاك لأنفسنا وجهد به أخوه الحسين ليخبره بمن فعل به فلم يخبره.

وقال: إن كان الذي أظن فالله اشد بأساً وأشد تنكيلاً وإن كان غير ذلك فلا يؤخذ بي بريء (2)

وقال ابن حجر : ويقال انه مات مسموماً قال ابن سعد : اخبرنا إسماعيل بن إبراهيم اخبرنا ابن عون عن عمير بن إسحاق : دخلت أنا وصاحب لي على الحسن بن علي فقال :لقد لفظت طائفة من كبدي وإني قد سقيت السم مراراً فلم اسق مثل هذا فأتاه الحسين بن علي فسأله مَن سقاك فأبى أن يخبره رحمه الله تعالى (3)

وقال الأصفهاني :بسنده عن إسماعيل بن عبد الرحمن قال :وأنصرف الحسن إلى المدينة فأقام بها , وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد , فلم يكن شيء أثقل من أمر الحسن بن علي , وسعد بن أبي وقاص , فدس إليهما سماً فماتا منه (4)

وقال الأصفهاني بسنده عن المغيرة قال : أرسل معاوية إلى ابنة الأشعث إني مزوجك بيزيد ابني , على أن تسمي الحسن بن علي , وبعث إليها بمائة ألف درهم,

ص: 10


1- الفصول المهمة - لابن الصباغ –ص 156
2- الاتحاف بحب الاشراف –عبد الله الشبراوي –ص38
3- الاصابة في تمييز الصحابة – احمد بن حجر العسقلاني –ج 1 –ص331
4- مقاتل الطالبيين – لابي الفرج الاصفهاني –ص 80

فقبلت وسمت الحسن , فسوغها المال ولم يزوجها منه ,فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها,

فكان إذا وقع بينهم وبين بطون قريش كلام عيّروهم ,وقالوا :يا بني مسمّة الأزواج(1)

تأملات.

إن المتأمل لاستشهاد الإمام الحسن بن علي عليهما السلام يلاحظ عدة أمور :

أولاً : إن معاوية بن أبي سفيان أراد أن ينقض العهد الذي قطعه على نفسه أمام المسلمين , ومع الإمام الحسن عليه السلام كي يعهد لولده يزيد ويتسلط على الأمة الإسلامية من دون مشورة المسلمين ومن دون رضا أهل الحل والعقد .

فقد قال أبو إسحاق سمعت معاوية بالنُخيلة يقول : ألا إن كل شيء أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به.

قال أبو إسحاق : وكان والله غدّاراً(2)

ثانياً : إن معاوية بن أبي سفيان وولده حاولا أن يسما الإمام الحسن بن علي عليه السلام عدة مرات في سبيل الاستيلاء على الحكم الإسلامي قهراً , وهذا واضح من الاعترافات التي نقلها لنا الرواة .

ثالثاً : احتيال القتلة بحيث يتواطأ هؤلاء مع زوجة الإمام الحسن عليه السلام كي يغتالوا سيد شباب أهل الجنة من دون تفكير بعواقب ذلك العمل المشين . فهي وصمة عار بكل من رضيّ وعمل على هذا الأمر .

ص: 11


1- المصدر نفسه.
2- مقاتل الطالبيين – الاصفهاني –ص77

رابعاً : إن هذه الجريمة التي تدعوا المسلمين إلى استنكارها ينبغي أن لا تتكرر في حياة المسلمين .

خامساً : استنكار المسلمين وغير المسلمين لهذه الجريمة النكراء تدعوا المرء المسلم أن لا يعد هؤلاء القتلة من المسلمين , وإنما دخلوا إلى الاسم رهبةً وللتسلط ولاستيلاء على مقاليد الحكم .

سادساً :الخلق الرفيع الذي تحلى به الشهيد المظلوم الإمام الحسن بن علي عليهما السلام بحيث آثر أن لا يثير فتنة بين المسلمين من جراء سقيه للسم ومن دفنه بقرب جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم .

سابعاً : إن ابن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هو الحلقة الأساسية المتصلة بين السماء والأرض في امتثال أوامر السماء ,وقتله بأبشع صورة من دون استنكار يؤدي إلى الجرأة وعدم المبالاة بمَن يتولى أمر المسلمين .

ثامناً : إن كل من تولى قتل الإمام الحسن عليه السلام أو شارك في ذلك لا يدخلون من ضمن الذين قال عنهم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم (اللهم إني أحبه فأحبه )(1)

بل يدخلون من ضمن الذين قال عنهم الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم

(ومنَ أبغضهما-الحسن والحسين عليهما السلام- فقد ابغضني )(2)

ومن يبغض الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فان مصيره جهنم وساءت مصيرا .

وصية الإمام الحسن عليه السلام

ص: 12


1- مطالب السؤول في مناقب آل الرسول –كمال الدين بن طلحة الشافعي –ص227
2- الاصابة في تمييز الصحابة – لابن حجر العسقلاني –ج1 –ص330

فقد أوصى الإمام الحسن عليه السلام بعدة وصايا ومن أهمها أن يدفن إلى جوار قبر جده الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم

فإن كان هنالك مانع من فتنة أو غيرها فيدفن إلى جنب جدته فاطمة بنت أسد سلام الله عليها .

قال الشُّبراوي :لما حضرته الوفاة – الإمام الحسن عليه السلام – قال اخرجوا فراشي إلى الصحن فأخرجوه.

فقال : اللهم إني أحتسب نفسي عندك فإنها أعز الأنفس علّي

ثم قال للحسين : أدفنوني عند أبي يعني المصطفى صلى الله عليه وآله ولكن الناس سراع إلى الفتنة فإن خفتم فتنة فلا تسفكوا دماً فادفنوني في مقابر المسلمين (1)

وقال ابن الصباغ : قال الحسن لأخيه الحسين عليهما السلام :يا أخي قد حضرت وفاتي وحان فراقي وإني لاحق بربي وأجد كبدي يتقطع , وإني لعارف من أين دهيت ,أنا أخاصمه إلى الله فبحقي عليك إن تكلمت في ذلك لشيءٍ , فإذا أنا قضيت فقمصني وغسلني وكفني واحملني على سريري إلى قبر جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأجدد به عهداً ثم ردني إلى قبر جدتي فاطمة بنت أسد فإدفني هناك, وبالله أقسم عليك أن لا تهرق في أمري محجمة دم ,

ثم وصى إليه بأهله وولده وتركته وجميع ما كان وصى به إليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ثم قضى نحبه عليه السلام (2)

وقال الدينوري :ثم إن الحسن عليه السلام

اشتكى بالمدينة فثقل , وكان أخوه محمد بن الحنفية في ضيعة له , فأرسل إليه , فوافى ,فدخل عليه , فجلس عن يساره ,

ص: 13


1- الاتحاف بحب الاشراف – عبد الله الشبراوي –ص 38
2- الفصول المهمة –لعلي بن محمد المالكي –ص156-157

والحسين عن يمينه , ففتح الحسن عينه , فرآهما ,

فقال للحسين : يا أخي , أوصيك بمحمد أخيك خيراً , فإنه جلدة ما بين العينين .

ثم قال : يا محمد أوصيك بالحسين كأنفه ووآزره .

ثم قال : ادفنوني مع جدي صلى الله عليه وآله وسلم , فإن منعتم فالبقيع .

ثم توفي , فمنع مروان أن يُدفن مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم , فدفن في البقيع(1).

وقال الأصفهاني : ودفن الحسن في جنب قبر فاطمة بنت رسول الله

(صلى الله عليه وآله وسلم) في البقيع في ظلة بني نبيه , وقد كان أوصى أن يدفن مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فمنع مروان بن الحكم من ذلك ,

وركبت بنو أمية في السلاح و جعل مروان يقول : يا رب هيجا هي خير من دعة ,

أيدفن عثمان في أقصى البقيع , ويدفن الحسن في بيت رسول الله

(صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ والله لا يكون ذلك أبداً وأنا أحمل السيف ,

فكادت الفتنة تقع . وأبى الحسين أن يدفنه إلا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

فقال عبد الله بن جعفر : عزمت عليك بحقي ألا تكلم بكلمة فمضى به إلى البقيع ,و انصرف مروان بن الحكم .

تأملات

ص: 14


1- الاخبار الطوال -احمد بن داود الدنيوري – ص221

أولاً : إن للإمام الحسن الخيار في الوصية لمن شاء وأن يدفن في أي مكان شاء لما يمتلك من السلطة الشرعية باعتباره إماماً منصوباً من قبل السماء

وثانياً : من حق الإمام الحسن عليه السلام أن يدفن إلى جوار جده صلى الله عليه وآله وسلم , وليس من حق أحد أن يمنعه عن ذلك إلا أن يعتدي على حقوق الآخرين وهذا لم ولن يفعله أبن أمير المؤمنين عليه السلام .

ثالثاً : إن مروان بن الحكم كان من الذين حكم عليهم الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بالطرد عن مدينة الرسول , وحينئذ فليس لأبناء الطرداء أن يتحكموا أو يتسلطوا في الأماكن التي يدفن فيها ابن بنت النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم

رابعاً : وأد الفتنة التي كان يتوقعها الإمام الحسن عليه السلام جعله أمام أبصار المسلمين من الذين يرغبون بالسلام دون غيرهم ممن يتصيدون الأوهام كي يصوروها للمسلمين فتنة وانشقاق لوحدتهم .

خامساً :الإيمان بالحق الذي كان يمتلكه الإمام الحسن عليه السلام من الأولوية لدفنه إلى جنب جده العظيم وتركه حفاظاً على قوة المسلمين من الذكاء الذي امتاز به الإمام عليه السلام وهذا لا ريب فيه .

ص: 15

الفصل الثاني: إمامة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام في القرآن الكريم

اشارة

ويشتمل على

القسم الأول: إمامة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام في القرآن الكريم.

القسم الثاني :إمامة الإمام الحسن عليه السلام في الحديث النبوي الشريف .

القسم الثالث : إمامة الإمام الحسن عليه السلام في الإجماع.

ص: 16

القسم الأول : النص على إمامة الإمام الحسن بن علي عليه السلام في القرآن الكريم

وقد دلت الآيات القرآنية على أن الإمام الحسن بن علي عليه السلام وهو أولى بالحكم الإسلامي من بعد أبيه أمير المؤمنين عليه السلام .وهذه الآيات هي :

ا - قال الترمذي :عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال :لمًا انزل إليه هذه الآية (تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) الآية

دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً وفاطمة والحسن والحسين ,

فقال :اللهم هؤلاء أهلي .

قال أبو عيسى :هذا حديث حسن غريب صحيح .(1)

فإن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لما ابتهل إلى الله تعالى بأهل بيته مع وفد نجران بحيث لم يخرج أحداً من قومه وفيهم الأشداء الأقوياء سوى علياً ليبن للأمة جمعاء أن الذي يكون نفسه في الفداء هو الذي ينبغي أن تختاره الأمة الإسلامية بحيث لا يداهن في دينه ولا يفرّمن المحن والشدائد . من هذا البطل الصنديد لا يتخلف الأبناء عن الآباء ومنهم الإمام الحسن بن علي لما فيه من الإباء والسؤدد وهو أولى بالإمامة من غيره الذين تخلفوا عن تعاليم الرسالة السماوية .وارتد بعضهم عن الإسلام وقد بين القرآن الكريم هذه الحقيقة بقوله تعالى (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين )

ص: 17


1- سنن الترمذي –محمد بن عيسى بن سورة الترمذي –ص 738-ح-2999

2- وقال تعالى (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلماتٍ فأتمهنّ قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين )

فان وجوب إتباع الظالم وجواز الخطأ عليه ,يستلزم إمكان الإضلال على الخلق ((1))

كما نصت عليه الآية الكريمة ,وحينئذ فان الإمام ينبغي أن يكون هادياً لامته وليس مضلاً لها .ويكون وسيلةً للخير كي تهتدي الشعوب بهداه وتقتدي بتعاليمه .ولذا كان على الأمة أن تختار من أمرت السماء به ولا تختار لنفسها وفق الأهواء والعواطف .لان ذلك مدعاة إلى إضلال امة الإسلام بعدما اهتدت بنبي الإسلام .

ومن ذلك ينبغي على الأمة الإسلامية أن تختار ممن أكدت عليهم السماء من خلال تصريحات النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ممن يحبه ويثني عليه اشد الثناء .ومنهم الإمام الحسن بن علي ,وسيأتي ذكر ذلك في النص على محبته وهي محبة للسماء .

3- قوله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهلُ البيت ويطهركم تطهيراً)

فقد وردفي صحيح البخاري في الجزء الرابع من ثمانية أجزاء,ومن صحيح مسلم في الجزء الرابع منه أيضاً من أجزاء ستة عن عائشة قالت :خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غداة وعليه مُرطٍ مرحل من شعر أسود ,فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ,ثم جاءت فاطمة فأدخلها ,ثم جاء علي فأدخله, ثم قال : (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)(2)

.

فان هذه الآية توضح أن الإمام الحسم بن علي هو مطهر من السماء فلا زلل في قوله ولا ريب في فعله , فهو أولى بالأمة من أنفسها ,ولذا فان الإمام الذي يقود الأمة الإسلامية لا ينبغي أن يتصف بالخطأ كي يقوموه , ولا يحتاج إلى مشورة احد كي يسترشد برشاده, لأنه بذلك يوقع الأمة بالكوارث والفتن من دون أدنى شك.

ص: 18


1- كشف الفوائد في شرح القواعد-للمحقق الطوسي والعلامة الحلي –ص306
2- الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف –لابن طاووس –ج1 –ص177

والإمام الحسن بن علي لم يحتج إلى مشورة احد أو رأي شخص كي يصوب رأيه فكان من دون أدنى شك الإمام والقائد بعد أبيه العظيم أمير المؤمنين عليه السلام .

4-سورة الدهر أو سورة الإنسان

وعن ابن عباس رضي الله عنه(إن الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ناس معه فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك ,فنذر عليّ وفاطمة وفضة جارية لهما إن برآ مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام ,فشفيا وما معهم شئ , فإ ستقرض علي ّ من شمعون الخيبريّ اليهودي ثلاثة أصوع من شعير ,فطحنت فاطمة صاعا و إختبزت خمسة أقراص على عددهم فوضعوها بين أيديهم ليفطروا,فوقف عليهم سائل فقال :السلام عليكم أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة , فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صياما , فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك ,فلما أصبحوا أخذ علي ّ عليه السلام بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما أبصرهم وهم يرتعشون كا لفراخ من شدة الجوع .

قال :ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم ,وقام

فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها وغارت عيناها فساءه

ذلك ,فنزل جبريل وقال :خذها يا محمد هناك الله في أهل بيتك فأقرأها السورة .(1)

إن الآية الكريمة توّضح إن الإمام الحسن بن علي عليه السلام من الذين صاموا وفاءً لنذرهم الذي جزاهم ربهم بذلك الفعل جزاءً بحيث ضمنوا الجنة من دون أدنى شك , ولأجل ذلك فان من تكون مأواه جنة الخلد كيف يترك أمته في ضلال ؟

ص: 19


1- الكشاف – الزمخشري –ج4 –ص 197

بل كيف لامته أن تترك هذا الإمام العظيم لتلجأ إلى مَن يحتاج إلى من ينقذه من ظلمه وجوره .

5-ومن ذلك ما رواه محمد بن مؤمن الشيرازي مما أخرجه في كتابه واستخرجه من تفاسير الإثني عشر وهو من علماء المذاهب الأربعة وثقاتهم في تفسير قوله تعالى : (فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )

بإسناده إلى ابن عباس قال : ( فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) يعني بيت محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام هم أهل الذكر والعلم والعقل والبيان ,وهم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة والله ما سمي المؤمن مؤمناً إلا كرامة لأمير المؤمنين (1).

فان هذه الآية الكريمة تدل وبوضوح إن الإمام الحسن بن علي عليه السلام من أهل الذكر الذين مدحهم القران الكريم .ودعا إلى الامتثال لأوامرهم لأنهم ينقذون الأمة من الضلال إلى الهدى والنور .

فهل يمكن أن يدعي مدع أن الإعراض عن الإمام الحسن بن علي عليه السلام واتخاذه الرأي من غير أهل الذكر أن ينجو من الضلالات والأوهام ؟

وهل لأمة يمكن لها أن تسير في طريق مستقيم من دون أهل الذكر الذين كانوا مناراً لهدى المهتدين ؟

ص: 20


1- الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف – ج1 –ص137

القسم الثاني : إمامة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام في الأحاديث الشريفة

فقد ورد بحق الإمام الحسن بن علي عليه السلام عدة أحاديث :

1-ففي صحيح البخاري بسنده عن عدي قال :سمعت البّراء رضي الله عنه قال رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم والحسن بن علي على عاتقه ,يقول (اللهم إني أحبه فأحبه )(1)

2-وفي صحيح البخاري بسنده عن أبي عثمان عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم :أنه كان يأخذه والحسن ويقول :((اللهم إني أحبهما ,فأحبهما ))(2)

فان هذين الحديثان يدلان أن الإمام الحسن بن علي عليه السلام كان يحبه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ومحبته لم تكن لعاطفةٍ وإنما لما يستحقه هذا الإمام العظيم من التبجيل والاحترام ولما بذله في سبيل أمته

3-حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أخرجه الترمذي في صحيحه يرويه عنه بسنده أن حذيفة قال لامه : دعيني آتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأصلي معه واسأله أن يستغفر لي و لك .فأتيته فصليت معه المغرب ثم قام فصلى حتى صلى العشاء ثم إنفتل فاتبعته ,فسمع صوتي فقال :من هذا حذيفة ؟

قلت :نعم . قال:ما حاجتك غفر الله لك ولامك ؟إن هذا ملك لم ينزل إلى الأرض قط قبل هذه الليلة ,استأذن ربه أن يسلّم علّي ويبشرني أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ,وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة .(3)

ص: 21


1- صحيح البخاري –محمد بن اسماعيل البخاري –ص682-ح3749
2- المصدرنفسه –ح3747
3- مطالب السؤول في مناقب آل الرسول –كمال الدين بن طلحة الشافعي –ص249

فان من يكون سيد شباب أهل الجنة فلا بد من أن ينقذ أمته من المحن والفتن التي تتوالى عليها ليكون أمناً من العذاب الأليم .

4-وبسند عن محمد بن زياد عن زيد بن أرقم ,قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي عليه السلام :أنت الإمام والخليفة بعدي ,وابناك هذان إمامان وسيدا شباب أهل الجنة ,وتسعة من صلب الحسين أئمة معصومون, ومنهم قائمنا أهل البيت ---الخ الحديث(1).

5- عن طارق بن شهاب قال :قال أمير المؤمنين عليه السلام للحسن والحسين :أنتما إمامان بعدي ,وسيدا شباب أهل الجنة ,والمعصومان ,حفظكما الله,ولعنة الله على من عاداكما.(2)

وهذان الحديثان يدلان وبصراحة أن الإمام الحسن عليه السلام هو الخليفة من بعد أبيه من دون فصل وهو المؤهل لهذه المهمة العظيمة لقيادة الأمة الإسلامية .

ص: 22


1- كفاية الاثر في النصوص على الائمة الاثني عشر –علي بن محمد القمي الرازي –ص177-178 –ح1-باب 64
2- المصدر نفسه –ص326 –ح4 –باب -127

القسم الثالث : إمامة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام في الإجماع

قال الدينوري :لما توفي علّي عليه السلام خرج الحسن إلى المسجد الأعظم ,فاجتمع الناس إليه ,فبايعوه ,

ثم خطب الناس فقال: )) أفعلتموها؟ قتلتم أمير المؤمنين ,أما والله لقد قتل في الليلة التي نزل فيها القرآن , ورفع فيها الكتاب , وجف القلم , وفي الليلة التي قبض فيها موسى بن عمران ,وعرج فيها بعيسى ))(1)

وقال الأصفهاني :خطب الحسن بن علي بعد وفاة أمير المؤمنين علي عليه السلام فقال : لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل ,ولا يدركه الآخرون بعمل ,ولقد كان يجاهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيقيه بنفسه ,ولقد كان يوجهه برايته فيكتنفه جبرائيل عن يمينه , و ميكائيل عن يساره ,فلا يرجع حتى يفتح الله عليه ,ولقد توفي في هذه الليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم ,ولقد توفي فيها يوشع بن نون وصي موسى , و ما خلّف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم بقيت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله .

ثم خنقته العبرة ,فبكى وبكى الناس معه .

ثم قال :أيها الناس ,من عرفني فقد عرفني ,ومن لم يعرفني فانا الحسن بن محمد صلى الله عليه وآله وسلم ,أنا أبن البشير ,أنا ابن النذير ,أنا ابن الداعي إلى الله عز وجل بإذنه, وأنا ابن السراج المنير ,وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ,والذين افترض الله مودتهم في كتابه إذ يقول :( ومن يقترف حسنة نزد له فيها حُسناً ) فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت .

ص: 23


1- الاخبار الطوال –احمد بن داود الدينوري –ص216

ثم قام ابن عباس بين يديه ,فدعا الناس إلى بيعته ,فاستجابوا له

وقالوا: ما أحبه إلينا وأحقه بالخلافة فبايعوه (1)

تأمل

إن بيعة الإمام الحسن بن علي عليه السلام من دون خلاف فيها سوى العصاة لأمر إمامهم. لاشك فيها بل إن ذلك حق طبيعي مفترض على المسلمين ينبغي عليهم الالتزام به. وكذلك تلزم غيرهم من ناحية كون بيعته من دون إكراه ولا افتراض عليهم ,وإنما جاء ذلك بمحض إرادتهم .

فضائل الإمام الحسن بن علي عند النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم

إن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان يحب المسلمين ولا يفرق بين مسلم وآخر,ولعل خوفه على المسلمين وإشفاقه عليهم ومحبته لهم وحثه على الثبات على الإسلام ونشر تعاليمه ,وهو الذي دعاه إلى أن يحذرهم من الفتنة العمياء ولذ ا كان يقول :أنه قام إلى جنب المنبر فقال :((الفتنة هاهنا ,الفتنة هاهنا ,من حيث يطلع قرن الشيطان ,أو قال :قرن الشمس ))(2)

وعن ابن عمر رضي الله عنهما :أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مستقبل المشرق يقول :ألا إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان (3))

وكان النبي العظيم يخشى على أمته أن لا يرجعوا

كفاراً بحيث يكفّر بعضهم بعضاً

ص: 24


1- مقاتل الطالبيين –لابي الفرج الاصفهاني –ص-62
2- صحيح البخاري – محمد بن اسماعيل البخاري –ص1286-ح7092-باب قول النبي صلى الله عليه وآله(الفتنة من قبل المشرق)
3- المصدر نفسه –ص1287-ح7093

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال :قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :(لا ترتدوا بعدي كفاراً ,يضرب بعضكم رقاب بعض )(1)

وقال علي بن مدرك :سمعت أبا زرعة بن عمرو بن جرير عن جده جرير قال :قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع :(إستنصت الناس )

ثم قال :(لا ترجعوا بعدي كفاراً ,يضرب بعضكم رقاب بعض )(2)

وجاءت هذه التحذيرات نتيجة لما كان يخشاه على الأمة الإسلامية ومن الذين دخلوا إلى الإسلام من دون إيمان به وإنما نتيجة لمآربهم التي كانت تظهر بين حين وآخر حتى برزت بنقض العهود والمواثيق التي قطعوها على أنفسهم ,

ولأجل ذلك كان يقول الرسول الأعظم :أنا فرطكم على الحوض ,ليرفعنّ إليّ رجال منكم ,حتى إذا هويت لأناولهم اختلجوا دوني ,فأقول:أي ربّ أصحابي ,

فيقول :لا تدري ما أحدثوا بعدك )(3)

هم بأنفسهم الذين ساروا مع النبي الأكرم لكنهم خالفوا منهجه الذي سار عليه وبدلوا ذلك .

فقد قال سهل بن سعد سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول :أنا فرطكم على الحوض ,من ورده شرب منه ,ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً,ليرد عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ,ثم يحال بيني وبينهم )

ص: 25


1- المصدر نفسه –ص1284 –ح7079 –باب قول النبي صلى الله عليه وآله (لاترجعوا بعدي كفاراًيضرب بعضكم رقاب بعض )
2- المصدر نفسه –ص1284 –ح7080
3- المصدر نفسه –ص1281-ح7049-كتاب الفتن

قال أبو حازم :فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا ,فقال :هكذا سمعت سمعت سهلاً ؟

فقلت: نعم ,

قال: وأنا اشهد على أبي سعيد ألخدري لسمعته يزيد فيه قال: إنهم منّي فيقال: إنك لا تدري ما بدلوا بعدك ,فأقول سحقاً سُحقاً لمن بدّل بعدي )(1)

ومن هذه الأحاديث الشريفة يظهر أن النبي الأكرم كان يحب لامته الثبات على العقيدة الإسلامية لكن الانقلاب الذي يحدث عقبه يدعو إلى الأسف .

محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

فقد دعا النبي الأكرم إلى محبة الإمام الحسن بن علي عليه السلام في عدة مناسبات ولعل أهمها :

الحديث الأول :ومن طريق عبد الرحمن بن مسعود عن أبي هريرة قال:خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه الحسن والحسين هذا على عاتقه وهذا على عاتقه وهو يلثم هذا مرة وهذا مرة حتى انتهى إلينا فقال :مَن أحبهما فقد أحبني ومَن ابغضهما فقد أبغضني .(2)

ملاحظات

1-إن هذا الحديث الشريف يدل أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كان يحب الإمام الحسن و يرشد المسلمين إلى محبته لأنه السبب الحقيقي بين الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) و المسلمين .

ص: 26


1- المصدر نفسه – ص1281-ح7050-7051
2- الاصابة في تمييز الصحابة –لابن حجر العسقلاني –ج1-ص330

2-إن محبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) للإمام الحسن (عليه السلام ) ما هو إلا تعبير صادق عن مدى محبة الأبناء و ما لها من منزلة عظيمة في حياة الإسلام .

3-إن كل من يبغض للإمام الحسن (عليه السلام ) فهو يبغض النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله و سلم ) فهو ينكر رسول الإسلام فتكون عاقبته جهنم و ساءت مصيرا

4-الالتزام بتعاليم الإمام الحسن (عليه السلام ) و بكل ما يفعله و يقوله فهو امتثال لأمر النبي الأكرم و دليل على الثبات لمبادئ الإسلام التي غرسها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بين المسلمين .

الحديث الثاني :وعند أبي يعلي من طريق عاصم عن زر عن عبد الله كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما فإذا قضى الصلاة وضعهما في حجره .فقال: من أحبني فليحب هذين .(1)

إنارة

إن لهذا الحديث دلالات :

1-أن الإمام الحسن عليه السلام له منزلة عظيمة عند المسلمين بحيث لم يفعل به احد كما فعل في صلاة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم

2-احترام النبي الأكرم لولده الإمام الحسن دليل على أن كل ما يفعله الإمام الحسن فهو موضع احترام والتقدير والتقديس .

3-حث النبي صلى الله عليه وآله وسلم على محبة الإمام والاستمرار على ذلك السلوك لأنه المنجاة في الدنيا والآخرة .

ص: 27


1- المصدرنفسه

4-منع النبي الأكرم ممن يحاول منع الإمام الحسن عن كل ما يفعله من دون هنالك سبب مبيح مدعاة إلى غضب النبي وغضب السماء .

الحديث الثالث

عن أبي سعيد ألخدري رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة )(1)

إنارة

إن لهذا الحديث عدة أمور :

1-إن كلمة(سيد )هو كل من يقود الأمة وان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد ذكر أن الإمام الحسن وأخاه عليهما السلام من خير القادة الذين يقودون الأمة الإسلامية إلى الجنة

2-إن النبي الأكرم لم يبشر البشرية بان لها الجنة بل ولا امة الإسلام ,وإنما فقط الإمامان الحسن والحسين عليهما السلام .

3-خصوصية الإمام الحسن والحسين عليهما السلام بأنهما من الشباب الذين

لا يصيبهم ظمأ ولا شيء مما يصيب به البشر .

ص: 28


1- سنن الترمذي – لابي عيسى الترمذي –ص913-ح-3768-باب مناقب ابي محمد الحسن بن علي والحسين بن علي

الحديث الرابع .

وروى البخاري ومسلم بسنديهما عن أبي هريرة

قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يكلمني ولا أكلمه حتى أتى سوق بني قينقاع ثم انصرف حتى مخبأة وهو المخدع فقال (أثم يالكع أثم يالكع ) يعني حسناً عليه السلام ,فظننا إنما حبسته أمه لأن تغسله أو تلبسه ثوباً ,فلم يلبث إذ جاء يسعى واعتنق كل واحد منهما صاحبه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :اللهم أني أحبه وأحب مَن يحبه .

وفي رواية أخرى اللهم إني أحبه وأحب من يحبه ,قال أبو هريرة :فما كان احد أحب إلي من الحسن بعد ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1).

توضيح

إن النبي الأكرم قد نبه إلى أمر مهم ينبغي الاهتمام به ألا وهو أن كل من يحب الإمام الحسن عليه السلام فان النبي يحبه . ولعل ذلك ما كان خافياً على أبي هريرة حتى إذا انكشف له ذلك .فانه اعترف أن الإمام لم يدانيه في المحبة أحداً لما بيّنه له نبي الإسلام .

الحديث الخامس

وعن عمار بن ياسر سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :هما –الحسن والحسين عليهما السلام –ريحانتي من الدنيا (2)

ص: 29


1- الفصول المهمة في معرفة احوال الائمة عليهم السلام –علي بن محمد المالكي المشهور بابن الصباغ – ص146
2- المصدر نفسه –ص146

نظرة .

إن الريحانة التي كان يتعطر بها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم هما الحسن والحسين عليهما السلام ,فينبغي على المسلمين أن يقتدوا بهم ويهتدي بهم ,لأنهم الوسيلة التي تنقذ البشرية من بعد الرسول الأعظم .كما أنهما ثمرة فؤاد نبي الإسلام فينبغي المحبة لهما وعدم بغضهما .

وهناك أمر مهم ألا وهو أن النبي صلى الله عليه وآله حينما ينظر إلى ولديه إنما ينظر إلى عظمة خلق رب العالمين وما أعطاه إليه من هدية عظيمة لا ينبغي التفريط بها .بل ينبغي الحفاظ عليها من مكاره الدهر .

الحديث السادس .

وعن حذيفة قال :قال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم :أما رأيت الشخص الذي اعترض لي ؟

قلت :بلى يا رسول الله,

قال :ذاك ملك لم يهبط قطٌ إلى الأرض قبل الساعة ,استأذن الله عزّ وجل في السلام على عليّ , فأذن له فسلّم عليه ,وبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة, وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة .(1)

ص: 30


1- الامالي – الشيخ المفيد – ص23-ح-4

إنارة

إن أعظم هدية من السماء بعد ولادة الإمام الحسن والحسين عليهما السلام هي البشارة من السماء بأنهما سيدا شباب أهل الجنة ,وهذا لم يحظ به احد من المقربين سواهما .

كما إن من ضمن هذه البشارة هما الخلفاء على الأمة الإسلامية لما يمتلكا من المؤهلات التي لا يدانيهما احد من البشر .

فكيف لأمة يمكن أن تتركهما ليتخذا خليفة من دون سيدا شباب أهل الجنة ليقود هذه الأمة من دون زلل أو انحراف عن سواء السبيل ؟

نتيجة البحث

بعد ما تقدم من الآيات والأحاديث التي دلت على إمامة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام و إجماع المسلمين على البيعة له يلزم على كل مسلم أن يسلم بذلك. لأن إنكار ذلك أو عدم الاعتراف به فهو ردّ للآيات الكريمة والأحاديث الشريفة و إجماع المسلمين وهو خروج عن الميثاق الذي تعاهدوا عليه .

ص: 31

الفصل الثالث: علم الإمام الحسن بن علي عليهما السلام

ص: 32

علم الإمام الحسن بن علي عليهما السلام

امتاز الإمام الحسن عليه السلام عن سائر البشرية سوى جده و أبيه عليهم أفضل التحية والسلام .انه من ذوي العلم الشامخ والذي شهد لهم الإسلام أسمى شهادة بحقه.

فقد شهد له القرآن أنه من الراسخون في العلم فقد قال تعالى (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كلُ من عند ربنا وما يتذّكر إلا أولوا الألباب )

و أدلة ذلك كثيرة ولعل من أهمها ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام :إنا أهل البيت شجرة النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة وبيت الرحمة ومعدن العلم .(1)

فان العلم الذي منحه تعالى لرسوله الكريم قد ورثه حفيده الإمام الحسن عليه السلام,وهذا يعترف به المسلمون ولا ينكره إلّا الجاحد لإمامه والجاهل به .

وهذا اعتراف صريح من احد المسلمين الذين ما أنكر احتياجه إلى الإمام الحسن عليه السلام , وإنقاذه الأمة الإسلامية من الضلالات والفتن .

فقد كتب الحسن البصري إلى الحسن عليه السلام :أما بعد , فإنكم –معاشر بني هاشم –الفلك الجارية في اللجج الغامرة, مصابيح الدجى ,وأعلام الهدى ,والعروة الوثقى ,و الأئمة القادة ,الذين من تبعهم نجا ,ومن تخلف عنهم هوى ,والسفينة التي بركوبها ينجو المؤمنون ,ويعتصم بها المستمسكون .

أما بعد :فقد كثر – يا ابن رسول الله – عندنا الكلام في القضاء والقدر ,واختلافنا في الاستطاعة ,فتعلمنا ما ترى عليه رأيك ورأي آبائك,فإنكم ذرية بعضها من بعض , من علم الله علمتم ,وهو الشاهد عليكم ,وانتم الشهداء على الناس والسلام .

فأجابه الحسن عليه السلام :أما بعد فقد انتهى إليّ كتابك عند حيرتك و حيرة من زعمت من امتنا , وكيف ترجعون إلينا و انتم بالقول دون الفعل !

واعلم انه لو لا ما انتهى إليّ من حيرتك و حيرة الأمة قبلك ، لأمسكت عن الجواب, ولكني الناصح ابن الناصح الأمين .

ص: 33


1- اصول الكافي – الكليني –ج1-ص-172 –ح2

واعلم أن الذي أنا عليه ,أنه من لم يؤمن بالقدر خيره و شره فقد كفر ,ومن حمل المعاصي على الله عزّ وجّل فقد فجر ,إن الله سبحانه لا يطاع بإكراه ولا يعصى بغلبة,ولا أهمل العباد من الملكة,ولكنه عزّ وجّل المالك لما ملكهم ,والقادر على ما عليه أقدرهم, فان ائتمروا بالمعصية فشاء سبحانه أن يمّن عليهم فيحول بينهم وبينها فعل ,فإن لم يفعل فليس هو الذي حملهم عليها إجباراً ولا ألزمهم بها إكراهاً, بل الحجة له عليهم أن عرّفهم ,وجعل لهم السبل إلى فعل ما دعاهم إليه وترك ما نهاهم عنه ,ولله الحجة البالغة على جميع خلقه )(1)

توضيح .

إن ما أجاب به الإمام الحسن عليه السلام فيه عدة أمور :

1-إن الأمة الإسلامية تحتاج في كل زمان إلى إمام يقودها إلى النجاة من الأعداء الذين يتربصون بها الدوائر كي تهوي إلى مأوى سحيق .

2-الاعتراف الصريح أن هنالك مَن يقود هذه الأمة وينبغي أن يقودها بعلمه ولا يقودها بهواه أو بجهله ,لان هؤلاء قد ذمهم القرآن الكريم بقوله تعالى (ولكن أكثرهم لا يعلمون ).

3-إن الإمام الحسن عليه السلام يؤكد على حقيقة مهمة ألا وهي أن المسلمين ينبغي أن يرجعوا إلى الإمام الذي نصبه القرآن الكريم عن طريق رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وليس مجرد الاستنجاد به في وقت الحيرة أو الضلالة . بل في كل الأمور التي من شأنها رفعة الإسلام والمسلمين .

ص: 34


1- اعلام الدين في صفات المؤمنين – الديلمي –ص316

4-من أهم ما يطعن على الأمة الإسلامية حينما يكون إمامها ليس من الناصحين, وهذا مدعاة إلى أن تفكر الأمة من ينفعها عمن يضرها, ولذا فان الإمام عليه السلام يشير إلى أهم شيء تحتاج إليه الأمة الإسلامية لئلا يكونوا من الغافلين .

علم الإمام الحسن في حياة أبيه عليه السلام

ومن دلائل إمامة الحسن عليه السلام ما برز في حياة أبيه أمير المؤمنين عليه السلام وظهر أمام الملأ العظيم بحيث لم تخف خافية على امة الإسلام .

أهله فوطئها بقلب ساكن و عروق هادية و بدن غير مضطرب استكنت تلك النطفة في جوف الرحم و خرج الرجل يشبه أباه و أمه ,

وان هو أتاها بقلب غير ساكن وعروق غير هادية وبدن مضطرب اضطربت النطفة فوقعت في اضطرابها على بعض العروق ,فان وقعت على عرق أشبه الولد أخواله ,

فقال الرجل: اشهد أن لا إله إلا الله ولم أزل أشهد بها واشهد أن محمد صلى الله عليه وآله وسلم رسول الله ولم أزل أشهد بها وأشهد أنك وصيه وخليفته والقائم بحجته و أشار إلى أمير المؤمنين عليه السلام وأشهد أنك وصيه والقائم بحجته بعدك , وأشهد أن أخاك الحسين وصي أبيك ووصيك والقائم بحجته بعدك ,

وأشهد أن علي بن الحسين القائم بأمر الحسين ,وأشهد أن محمد بن علي القائم بأمر علي بن الحسين ,وأشهد أن جعفر بن محمد بن علي القائم بأمر الله بعد أبيه الله بعد أبيه , وأشهد أن محمد بن علي القائم بأمر الله بعد أبيه ,وأشهد أن علي بن محمد القائم بأمر الله بعد أبيه محمد بن علي , وأشهد أن الحسن بن علي القائم بأمر أبيه علي بن محمد,

ص: 35

وأشهد أن رجلاً من ولد الحسين بن علي لا يسمى ولكن يكنى فعن أبي جعفر الثاني محمد بن علي الرضا عليه السلام انه قال عن آبائه صلوات الله عليهم قال :أقبل أمير المؤمنين ومعه أبو محمد عليهم السلام وسلمان الفارسي فدخل المسجد وجلس فيه ,فاجتمع الناس حوله إذ أقبل رجل حسن الهيئة و اللباس فسلم على أمير المؤمنين عليه السلام وجلس ,

ثم قال : يا أمير المؤمنين إني قصدت أن أسألك عن ثلاث مسائل إن أخبرتني بهنّ علمت أنك وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حقاً ,وإن لم تخبرني بهنّ علمت أنك وهم شرع سواء ,

فقال له أمير المؤمنين عيه السلام : سل عما بدا لك ؟

فقال : اخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه ، و عن الرجل كيف يذهب و ينسى , و عن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام و الأخوال ,

فالتفت أمير المؤمنين (ع) إلى أبي محمد (ع) فقال: يا أبا محمد اجبه ,

فقال أبو محمد : أما الإنسان إذا نام فان روحه معلقة بالريح ,و الريح متعلقة بالهواء إلى وقت يتحرك صاحبها إلى اليقظة , فإذا أذن الله برد تلك الروح جذبت تلك الروح الريح و جذبت الريح الهواء فرجعت الروح إلى مسكنها في البدن ,

و إن لم يأذن الله برد الروح إلى صاحبها جذبت الهواء الريح و جذبت الريح الروح فلم ترجع إلى صاحبها إلى أن يبعثه الله تبارك وتعالى ,

و أما الذكر و النسيان فان قلب الرجل في مثل حق و عليه طبق فإن سمى الله و ذكره و صلى عند نسيانه على محمد و آله , انكشفت ذلك الطبق و هو غشاوة عن ذلك الحق و أضاء القلب و ذكر الرجل ما كان نسى ,

و إن هو لم يصل على محمد و آله بعد ذكر الله عز وجل انطلقت تلك الغشاوة على ذلك الحق فاظلم القلب فنسي الرجل ما ذكر ,

ص: 36

و أما المولود الذي يشبه الأعمام و الأخوال فان الرجل إذا أتى حتى يظهر الله أمره يملأ عدلاً كما ملئت جوراً ,والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ومضى .

فقال أمير المؤمنين :اتبعه يا أبا محمد فانظر أين يقصد ,

قال : فخرج الحسن بن علي عليه السلام في اثر ه فلما وضع الرجل رجله خارج المسجد لم يدر كيف أخذ من أرض الله,فرجع إليه فأعلمه

فقال :يا أبا محمدا تعرفه .

قال :الله ورسوله وأمير المؤمنين أعلم به , قال :ذاك الخضر عليه السلام .(1)

توضيح

الأمر الأول :النوم وأثره

إن الإمام الحسن عليه السلام قد يشير إلى أن روح الإنسان حينما ينام ترتفع عن جسده لها حالتان : إما أن يأتي اجلها وحينئذ يقبضها تعالى بأمره من قبل ملك الموت, و إما أن تؤخر إلى أجل مسمى وهذا من دلائل عظمته تعالى التي خفيت على البشر بحيث لم يعلم الساعة التي يموت فيها .

السيوطي والنوم

ذكر جلال الدين السيوطي حول الآية الكريمة (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون )

ص: 37


1- إثبات الوصية – المسعودي –ص 170 -172

اخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني في الأوسط و أبو الشيخ في العظمة والضياء في المختارة عن ابن عباس في قوله الله يتوفى الأنفس حين موتها الآية .

قال :يتلقى أرواح الأحياء وأرواح الأموات في المنام فيتساءلوا نبينهم ما شاء الله تعالى ثم يمسك الله أرواح الأموات ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها إلى اجل مسمى لا يغلط بشيء من ذلك فذلك قوله إن ذلك لآيات لقوم يتفكرون .(1)

واخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن فرقد قال ما من ليلة من ليالي الدنيا إلّا والرب تبارك وتعالى يقبض الأرواح كلها مؤمنها وكافرها فيسأل كل نفس ما عمل صاحبها من النهار وهو أعلم ثم يدعو ملك الموت فيقول اقبض هذا واقبض هذا من قضى عليه الموت ويرسل الأخرى إلى اجل مسمى .(2)

رد ذلك

إن الآية الكريمة لم تذكر تلاقي الأرواح بين الأحياء و الأموات و إنما أشارت إلى انه تعالى يأمر ملك الموت فيقبض من يشاء ويترك من يشاء وهذا ما أشار إليه الإمام الحسن بن علي عليه السلام حينما قال إن روح الإنسان معلقة بالريح .

و أما ما ذكره فرقد فان الله تعالى هو مالك الملك فلا يحتاج إلى أن يقبض أرواح المؤمن والكافر و ما فعله حتى يسأل عن عمل صاحبها , لان هنالك حافظان يكتبان ما فعله طول يومه حتى قال تعالى ( ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيب عتيد ).

ولذا حينما لم يتخذ له إماما عادلاً يعذل نفسه ويقول (يا ليتني لم اتخذ فلاناً خليلا)

ص: 38


1- الدر النثور في التفسير بالمأثور – السيوطي – ج5 –ص329
2- المصدر نفسه

الزمخشري والنوم .

قال الزمخشري في كشافه :وتوفيها إماتتها وهو أن يسلب ما هي به حية حساسة دراكة من صحة أجزائها وسلامتها لأنها عند سلب الصحة كأن ذاتها قد سلبت .(1)

رد ذلك .

إن ما ذكره الزمخشري يتنافى مع حركات النائم ,

و الآية الكريمة (الله يتوفى الأنفس حين موتها --)لم تذكر سلب الأجزاء الحساسة . بل روحه التي ترجع إليه بعد ما يأذن

تعالى بردها إلى صاحبها

وهذا ما عناه الإمام الحسن بن علي عليه السلام حينما قال : فخرجت الروح إلى مسكنها في البدن. فالآية الكريمة قد صرحت كما أن الإمام عليه السلام أوضح ذلك بكلام لا يعرفه سوى أولي الألباب .

الأمر الثاني :الذكر والنسيان .

الإمام الحسن عليه السلام يشير إلى أمر قد خفي على البشرية ألا وهو أن هنالك غشاوة تطرأ على قلب المرء بحيث تجعله لا يبصر طريقه , والى ذلك تشير الآية الكريمة ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) .

ولأجل ذلك فان الشيطان سوف ينسيه كل أعمال الخير , والى ذلك أشار الإمام الحسن بن علي عليه السلام (وان هو لم يصل على محمد وآله بعد ذكر الله عزّ وجّل انطبقت تلك الغشاوة على ذلك الحق فاظلم القلب فنسي الرجل ما ذكر )(2)

ص: 39


1- الكشاف – الزمخشري –ج3 –ص400
2- اثبات الوصية – المسعودي –ص 171

لان الصلاة على النبي وآله من الأذكار وتحفة للمسلمين كي يذكروا رسول الإنسانية ويذكروا أهل بيته الكرام عليهم السلام .

فقد ذكر كعب بن عجرة رضي الله عنه قيل :يا رسول الله ,

أمّا السلام عليك فقد عرفناه ,فكيف الصلاة ؟

قال : قولوا : اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد, كما صليت على آل إبراهيم , إنك حميد مجيد ,اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد ,كما باركت على آل إبراهيم , إنك حميد مجيد )(1)

وعن أبي سعيد ألخدري قال :قلنا يا رسول الله ,هذا التسليم فكيف نصلي عليك ؟ قال: قولوا اللهم صلّ على محمد عبدك ورسولك ,كما صليت على آل إبراهيم , وبارك على محمد وعلى آل محمد,كما باركت على إبراهيم )(2)

الرسول الأعظم والصلاة عليه وآله

إن الصلاة على نبي الإنسانية وعلى أهل بيته من موجبات الدخول الجنة, لان بهم وبسيرتهم أنقذوا البشرية من الضلال والجهل بعدما كانوا على شفا حفرة من النار فأنقذهم منها .

ولذا كان الإمام الصادق عليه السلام يقول إذا صلى أحدكم ولم يذكر النبي وآله صلى الله عليه وآله وسلم في صلاته يسلك بصلاته غير سبيل الجنة ,

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :من ذكرتُ عنده فلم يصّل علّي دخل النار فأبعده الله,

ص: 40


1- صحيح البخاري –محمد بن اسماعيل البخاري –ص 889 –ح4797
2- المصدر نفسه –ح4798

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :مَن ذُكرت عنده فنسي الصلاة علّي خطئ به طريق الجنة.(1)

فان هذه الأحاديث ترشد إلى أهمية الصلاة على محمد وآل محمد لأنها من الأعمال الصالحة التي حث عليها النبي الأكرم وأهل بيته المعصومين .

الأمر الثالث : المولود

الإمام الحسن عليه السلام يبين أن المولود حينما يتكّون ينشأ من عاملين احدهما بدني وآخر نفسي .

أما العامل النفسي فان حينما يجامع أهله لابد أن يكون ذلك عن ودّ ورغبة من دون غضب أو غم قد علته أو كروب قد جعلته يعيش في عالم آخر .

أما العامل البدني فمن الضروري على الرجل أن لا يستعجل زوجته فان نطفة الرجل حينما تأخذ طريقها فلابد أن تقع على احد الطريقين إما الأعمام أو الأخوال وهذا ما لم يكشفه العلم الحديث - من جهة كيفية الشبه - وهو المسمى الآن بالعلم الوراثي.

الإمام الحسن عليه السلام وملك الروم

إن علم الحسن بن علي لا يمكن حدّه في زمان بل تعدى إلى الأعداء بحيث أجابهم بما لا حاجة إلى إضافة على رأيه الشريف

ص: 41


1- اصول الكافي – الكليني –ج 2 –ص359 –ح19

عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام إن ملك الروم سأله فيما سأله عن سبعة أشياء خلقها الله عزّ وجلّ لم تخرج من رحم ,

فقال : أدم وحواء , وكبش إبراهيم وناقة صالح ,وحية الجنة ,والغراب الذي بعثه الله عزّ وجلّ يبحث في الأرض ,و إبليس لعنة الله تبارك وتعالى .(1)

توضيح

إن ما قاله الإمام الحسن عليه السلام هو السهم الصائب الذي لا يدنو إليه شك حيث أن نبي الله آدم و زوجته حواء لم يولدا من رحم و إنما قال تعالى له كن فيكون .

قال تعالى (بديع السموات و الأرض و إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون )

وأما كبش إبراهيم عليه السلام فقد نزل من السماء قال تعالى (وفديناه بذبح عظيم )

أما ناقة صالح عليه السلام فقد كانت من السماء قال تعالى ( و يا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في ارض الله ولا تمسوها بسوءٍ فيأخذكم عذاب عظيم )

أما حية الجنة التي حولت العصا إلى حية تسعى فهي لم تلد من رحم.

قال تعالى (وما تلك بيمينك يا موسى , قال هي عصاي أتوكؤا عليها أهش بها على غنمي ولي فيها مأرب أخرى , قال ألقها يا موسى , فألقاها فإذا هي حية تسعى , قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى )

أما الغراب فهو أيضاً لم يولد من رحم وذلك لما بعثه تعالى ليكشف الجريمة النكراء حينما قتل قابيل أخاه هابيل .

قال تعالى (فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه

ص: 42


1- الخصال –ص388-ح34

قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأورى سوءة أخي فأصبح من النادمين )

أما إبليس فقد خلقه تعالى من نار قال تعالى (قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين)

وهذه الأمور لا يمكن لأحد أن يستنبطها من القرآن الكريم سوى أهل البيت و الإمام الحسن عليه السلام من هذا البيت المعصومين

من الزلل.

عشرة أشياء .

إن الإمام الحسن عليه السلام لم يكن فقط من الذين مدحهم القران الكريم بقوله تعالى (فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )

بل حث على سؤالهم من كل احد و لا يختص بسؤالهم من المسلمين وحتى غير المسلمين أيضاً .

فقد قال أبو جعفر عليه السلام :بينما أمير المؤمنين في الرحبة والناس عليه متراكمون فمن بين مستفت ومن بين مستعدي إذ قام إليه رجل

فقال :السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فنظر إليه أمير المؤمنين عليه السلام بعينيه ها تيك العظيمتين .

ثم قال :وعليك السلام ورحمة الله وبركاته مَن أنت ؟

فقال :أنا رجل من رعيتك وأهل بلادك.

قال : ما أنت من رعيتي وأهل بلادي ,ولو سلّمت علّي يوماَ واحداَ ما خفيت علّي , فقال : الأمان يا أمير المؤمنين ,

فقال أمير المؤمنين عليه السلام :هل أحدثت في مصري هذا حدثاً منذ دخلته

ص: 43

قال :لا , قال:فلعلك من رجال الحرب ؟

قال :نعم ,قال :إذا وضعت الحرب أوزارها فلا بأس ,

قال :أنا رجل بعثني إليك معاوية مُتَغفّلّا لك أسألك عن شيء بعث فيه ابن الأصفر وقال له :إن كنت أنت أحق بهذا الأمر والخليفة بعد محمد فأجبني عما أسألك فإنك إذا فعلت ذلك اتبعتك وأبعث إليك بالجائزة فلم يكن عنده الجواب ,وقد أقلقه ذلك فبعثني إليك لأسألك عنها.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام :قاتل الله ابن آكلة الأكباد ما أضله وأعماه ومن معه والله لقد أعتق جارية فما أحسن أن يتزوج بها ,حكم الله بيني وبين هذه الأمة ,قطعوا رحمي ,وأضاعوا أيامي ودفعوا حقي وصغّروا عظيم منزلتي وأجمعوا على منازعتي ,علّي بالحسن والحسين ومحمد فاحضروا.

فقال :يا شاميّ هذان ابنا رسول الله وهذا ابني فسأل أيهم أحببت .

فقال :أسأل ذا الوفرة يعني الحسن عليه السلام وكان صبياً .

فقال له الحسن عليه السلام :سلني عمّا بدا لك ,

فقال الشامي :كم بين الحق والباطل ,وكم بين السماء والأرض ,وكم بين المشرق والمغرب ,وما قوس قزح ,وما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين ,وما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين ,وما المؤنث ,وما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض ؟

فقال الحسن بن علي عليهما السلام :بين الحق والباطل أربع أصابع فما رأيته بعينك فهو الحق ,وقد تسمع بأذنيك باطلاً كثيراً ,

قال الشامي: صدقت ,

قال :وبين السماء والأرض دعوة المظلوم ومدُّ البصر فمن قال لك غير هذا فكذبه .قال :صدقت يا ابن رسول الله ,

ص: 44

قال :وبين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس تنظر إليها حين تطلع من مشرقها وحين تغرب من مغربها ,قال الشامي صدقت فما قوس قزح ؟

قال عليه السلام :ويحك لا تقل قوس قزح فان قزح اسم شيطان وهو قوس الله وعلامة الخصب وأمان لأهل الأرض من الغرق , وأما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين فهي عين يقال لها : برهوت ,وأما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين وهي عين يقال لها :سلمى ,وأما المؤنث فهو الذي لا يدرى أذكر هو أم أنثى فإنه ينتظر به فإن كانت أنثى حاضت وبدا ثديها وإلا قيل له بُل على الحائط فإن أصاب بوله الحائط فهو ذكر وان إنتكص بوله كما انتكص بول البعير فهي امرأة .

وأما عشرة أشياء بعضها أشدُ شيء خلقه الله عزّ وجلّ الحجر ,واشدّ من الحجر الحديد الذي يقطع به الحجر ,واشدُّ من الحديد النار تذيب الحديد واشدُّ من النار الماء يطفئ النار ,وأشدّ من الماء السحاب يحمل الماء , وأشدّ من السحاب الريح تحمل السحاب, وأشدّ من الريح الملك الذي يرسلها ,وأشدّ من الملك ملك الموت الذي يميت الملك ,وأشدّ من ملك الموت ألموت الذي يميت ملك الموت ,وأشدّ من الموت أمر الله ربّ العالمين يميت الموت .

فقال الشامي :أشهد أنك ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حقاً وأنّ علياً أولى بالأمر من معاوية ,

ثم كتب هذه الجوابات وذهب بها إلى معاوية ,فبعثها معاوية إلى ابن الأصفر

فكتب إليه ابن الأصفر : يا معاوية لم تكلمني بغير كلامك وتجيبني بغير جوابك , أقسم بالمسيح ما هذا جوابك وما هو إلا من معدن النبوة وموضع الرسالة وأما أنت فلو سألتني درهماً ما أعطيتك .(1)

توضيح .

ص: 45


1- الخصال – الصدوق – ص 480 -482 –ح33

إن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أراد أن يشير إلى أن أولاده هم من نبع النبوة, ولهذا أشار على سائله بأن يسألهم بكل ما خفي عليه ,فان الجواب الصائب يجده عند إمامه فكان الإمام الحسن عليه السلام أول من أجابه عن كل ذلك .

أما كيف يعرف الحق من الباطل فقد ذكر الإمام عليه السلام إن كل ما رأته عيناه فهو الحق دون ما سمع .فقد يسمع ما يختلط من الأوهام والأكاذيب دون ما رآه فهو لا شائبة فيه .

أما المسافة بين السماء والأرض فان الإمام عليه السلام ذكر دعوة المظلوم فهي اقرب إلى السماء لسرعة الإجابة لها , ومد البصر الذي يرى السماء فوقه ولايرى غيرها .

وأما المسافة بين المشرق والمغرب فقد حدد الإمام عليه السلام اليوم الذي يبتدأ به من طلوع الشمس حتى مغربها .

أما قزح فهو من أسماء الشيطان وقد وضع تعالى ذلك القوس كي يكون أماناً لأهل الأرض ,وقد يكون أشارة إلى الآية الكريمة بقوله تعالى (ولقد زينّا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رُجُوماً للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير )

أما العين التي تهفو إليها أرواح الكافرين فهي برهوت ,

أما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين

هي سلمى وهذا ما لم يعرفه احد

أما ما ذكر الإمام الحسن عليه السلام عن الشخص المشتبه من كونه ذكراً أم أنثى فقد حدد لهم الطرق التي يعرف بها كونه ذكرا عن الأنثى , ولهذا أثر في الحياة من الناحية الحكم الشرعي .

أما العشرة أشياء فان ما أوضحه الإمام عليه السلام كاف في علمه وعجز الآخرين عن حلّه .

وبذلك يظهر علم الإمام الحسن الذي لا يدانيه احد ,

ص: 46

المائدة وفضلها .

عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال :قال الحسن بن علي عليهما السلام :في المائدة اثنتا عشرة خصلة يجب على كل مسلم أن يعرفها ,

أربع منها فرض ,وأربع منها سنة ,وأربع منها تأديب ,

فأما الفرض :فالمعرفة ,والرضا ,والتسمية ,والشكر ,

وأما السنة فالوضوء قبل الطعام ,والجلوس على الجانب الأيسر,والأكل بثلاث أصابع ,ولعق الأصابع ,

وأما التأديب فالأكل مما يليك ,وتصغير اللقمة , والمضغ الشديد ,وقلة النظر في وجوه الناس .(1)

توضيح للفروض .

إن الإمام الحسن بن علي عليهما السلام يوجه المسلم إلى معرفة هذه الأمور وأهمها:

1-معرفة ما يأكله المسلم من حلال أم حرام وكذلك ما يضره مما ينفعه ,فان لم يعرف ذلك فيكون كالحيوانات التي تأكل كل شيء تجده أمامها ولا تبالي بذلك وان أدى إلى الإضرار بنفسها لأنها لا عقل لها كي تفكر به .

2-الرضا بما يأكله فانه دليل القناعة التي تحلى بها من دون أن يتذمر أو يرفضها .

3-من أهم الواجبات التي ينبغي معرفتها هي ذكر اسمه تعالى قبل الابتداء بالطعام ,لان ذلك دليل على معرفة أن هنالك صانعاً لها لا ينبغي نسيانه .

ص: 47


1- الخصال –الصدوق –ص 529 –ح59

4-الشكر على هذه النعم التي منحها لك دون غيرك, فقد منعها عن كثير من الناس وكانت لك في يسر وعافية دون عناءٍ ومشقة وتذلل فينبغي شكره تعالى ذلك .

توضيح السنة

وهي من الأمور التي حببها الإمام الحسن عليه السلام لكل إنسان أن يفعلها وأهمها:

1-غسل اليدين قبل الطعام وهو المسمى بالوضوء من الوضاءة,ولعل هنالك أمراً قد خفي على كثيرين فان الجراثيم التي تجتمع باليدين تكون مدعاة إلى المرض من دون غسلها وزوالها وحينئذ فقد حال الغسل بين الجراثيم وبين الإنسان .

2-الجلوس على الجانب الأيسر من الخضوع من الإنسان لربه وهذه من التعاليم النبوية .

3-الأكل بثلاث أصابع .فان الأكل بأكثر من ذلك قد لا يتحملها الفم مما يؤدي إلى الإجحاف بهذا العضو المهم الذي يؤدي الإضرار بصحة الجسم .

4-لعق الأصابع فان بقايا الطعام ينبغي أن تؤكل ولا ترمى مع الفضلات التي تكون مدعاة إلى التبذير المنهي عنه شرعاً

توضيح التأديب .

ص: 48

فان على الإنسان أن يأكل مما يليه بحيث لا يتطفل ويأكل من كل ناحية إضافة إلى تصغير اللقمة لتكون أيسر بالمضغ بها ودون ما إذا أدى

زيادة الطعام إلى سوء الهضم .

أما قلة النظر إلى الناس في حال الأكل ,فان ذلك مدعاة إلى أن يشغل نظره إلى الناس ويزاحمهم على طعامهم .

ص: 49

الفصل الرابع: الإمام الحسن عليه السلام والتوحيد

ص: 50

من الأمور العسيرة على بني البشر أن يؤمنوا بوحدانيته تعالى بعدما وجدوا هذه المخلوقات والكائنات الحية وغير الحية ,فلم يستسغ فكر الإنسان أن هنالك جباراً عظيما قد أبدع في مخلوقاته فأحسن صنعها وأرسل إليهم الرسل والأنبياء كي يكونوا مبلغين ومنذرين ,فكان في كل عصر هنالك مهتدين إلى سواء السبيل وكان من أبرزهم في عصر الإسلام الإمام الحسن بن علي عليهما السلام حيث سمى نجمه وملأ علمه الخافقين لينقذ الجهلاء من جهلهم وليرشد من يطلب الرشاد

جاء رجل إلى الحسن بن علي عليهما السلام فقال له:يا بن رسول الله صف لي ربّك حتى كأني أنظر إليه ,فأطرق الحسن بن علي عليهما السلام مليّا ثم رفع رأسه, فقال: الحمد لله الذي لم يكن له أول معلوم ولا آخر متناه, ولا قبل مدرك ,ولا بعد محدود, ولا أمد بحتى ولا شخص فيتجزأ , ولا إختلاف صفة فيتناهى فلا تدرك العقول وأوهامهما ,ولا الفكر وخطراتها ,ولا الألباب وأذهانها صفته

فنقول :متى ؟ولا بدئ مما ,ولا ظاهر على ما,ولا باطن فيما ولا تارك فهلاّ ,خلق الخلق فكان بديئاً بديعاً ,ابتدأ ما ابتدع ,وابتدع ما ابتدأ ,وفعل ما أراد ,وأراد ما استزاد ,ذلكم الله ربّ العالمين.(1)

إنارة.

حدد الإمام الحسن عليه السلام الأسس العامة للتوحيد لئلا يوجب الشرك أو الكفر. ولعلما ذكر من انه تعالى لم يكن يتقدمه معلوم ولم يكن لنهايته آخر , لان ذلك يوجب تحديده تعالى وهذا ينافي قوله تعالى (لم يلد ولم يولد ).

كما أنه ولم يكن هناك إدراك من قبله لان من أدركه فقد حدد له زماناً ومكاناً وهذا ينافي قوله تعالى (لا تدركه الأبصار )

ص: 51


1- التوحيد – الصدوق – ص-46 -47-ح5

كما لم يكن له أمد حتى يعين وحينئذ يكون قبله شيء وبعده شيء آخر لان ذلك يتعارض مع قوله تعالى (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم )

وابرز الإمام عليه السلام نفي الشخصية عنه تعالى

لان ذلك يوجب تجزأته وهذا باطل قطعاً لأنه يتنافى مع قوله تعالى (قل هو الله احد )

وأوضح الإمام عليه السلام أن صفاته تعالى لو كانت مختلفة لأدى ذلك إلى تحديد الموصوف ,وكل ذلك لم يكن العقل البشري أن يتصوره

لأنه مع التصور ينبغي أن يحدد له بداية ونهاية وزمان ومكان وهذا هو المسمى بالتجسيم

ولعل دليل قدرته على خلق المخلوقات انه أبدع هذا الخلق فأعظم صنعه وفعل ذلك ينبغي أن يؤمن به البشر

المكان.

إن مما يتوهمه بعض الجهلاء انه تعالى يحد في مكان دون آخر .وهذه من الأشياء لتي لا يمكن أن يتعقلها بشر ,لان ذلك قد يقدح بفكره الذي أبدعه تعالى لهذا المخلوق وجعله يفكر به ويتأمل قدرته بحيث لا يحدها في مكان دون غيره .

قال الإمام جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم السلام :

كان الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام يصليّ ,فمرّ بين يديه رجل فنهاه بعض جلسائه فلمّا انصرف من صلاته قال له : لم نهيت الرجل ؟

قال : يا بن رسول الله حظر فيما بينك وبين الحراب , فقال :ويحك إن الله عزّو جلّ أقرب إليّ من أن يحظر فيما بيني وبين أحد .(1)

ص: 52


1- الخصال –الصدوق –ص179 –ح22

توضيح

لابد من معرفة أن الله تعالى في كل مكان ولذا قال تعالى في محكم كتابه (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء)

وقوله تعالى (الم تر أن الله يعلم ما في السموات والأرض ما يكون من نجوى ثلاثةٍ إلا هو رابعهم ولا خمسةٍ إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم )

ومن المنطلق القرآني وجه الإمام الحسن عليه السلام جلسائه لما اعتقد هؤلاء أن هنالك حاجزاً سوف يمنع الإمام عمن يناجيه

بسبب ذلك الذي مرّ بين يديه ,فأنكر الإمام عليه السلام ذلك عليهم وأشار أن الله تعالى في كل مكان ولم يمنعه احد من مناجاته وان حال بينه وبين بارئه ظاهرا إلا أن خشوعه لم يمنعه ذلك

وكل هذا من التعاليم القرآنية التي طرحها الإمام عليه السلام لينبه هؤلاء على الآية الكريمة (إنهم يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين )

القدرة

وعن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام أنه سُئل عن قول الله عزّ وجلّ (إنا كل شيء خلقناه بقدر )

فقال :يقول عزّ و جلّ : إنا كل شيء خلقناه لأهل النار بقدر أعمالهم .(1)

إنارة.

ص: 53


1- الخصال – الصدوق –ص372-ح30

إن أهل النار لما عملوا من السيئات في حياتهم ولم يستجيبوا لنداء السماء من قبل الأنبياء والمرسلين ,فكانت عاقبة عملهم السيئ أن يكون هنالك من العذاب بقدر ما عمله هؤلاء لأنه تعالى قال في كتابه العظيم

(وما أنا بظلام للعبيد )كما لم يكن يحملّهم (ما لا طاقة لهم )

فكان هذا الأمر من أعظم ما أوضحه الإمام عليه السلام في تفسير الآية القرآنية .

الشاهد والمشهود

ليس كل مسلم يعرف تفسير القرآن الكريم حقاً وإنما اختص به ممن لازم الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وحظي بتلك المكانة السامية التي لا ينالها إلا ذو حظٍ عظيم , ولذا فقد تنافس المسلمون في الانتهال من وحي النبوة كلُ حسب قدرته العقلية .

وكان الإمام الحسن بن علي عليهما السلام من الذين لا يمكن للبشر أن تصل إلى علمه وتفسير القران الكريم إلا جده العظيم وأبيه المرتضى عليهما السلام .

هذا جانب من تفسيره للآية الكريمة.

فقد روى الإمام أبو الحسن علي بن احمد الواحدي في تفسيره المسمى بالوسيط ما يرفعه بسنده أن رجلاً قال : دخلت مسجد المدينة فإذا أنا برجل يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والناس حوله.

فقلت :أخبرني عن الشاهد والمشهود, فقال : نعم.

أما الشاهد فيوم الجمعة وأما المشهود فيوم عرفة , فجزته إلى آخر يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

ص: 54

فقلت :أخبرني عن شاهد ومشهود فقال :نعم . وأما الشاهد فيوم الجمعة وأما المشهود فيوم النحر , فجزتهما إلى غلام آخر كأن وجهه الدينار وهو يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

فقلت : أخبرني عن الشاهد ومشهود فقال :نعم.

أما الشاهد فمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وأما المشهود فيوم القيامة أما سمعته يقول : (يا أيها النبي إنا أرسلنا شاهداً ومبشراً ونذيراً )

وقال تعالى (ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ).

فسألت عن الرجل الأول فقالوا :ابن عباس وعن الثاني فقالوا :ابن عمر وسألت عن الثالث فقالوا: الحسن بن علي بن أبي طالب فكان قول الحسن أحسن.(1)

إنارة .

إن ما أدلى به الإمام الحسن عليه السلام هو القاطع لكل ما يرد من شك

دون ما فهمه المسلمون من دون دليل قرآني ,ولعل ذلك ما دعى الإمام الحسن بن علي عليه السلام إلى أن يؤكد كلامه من القران الكريم بحيث لا يكون مثاراً للجدل أو التشكيك

أما قول الواحدي بأن رأي الإمام الحسن عليه السلام أحسن هذا إذا كان هنالك تفاضل بينه وبين غيره ,أما إذا لم يكن هنالك رأي غيره فانه يكون من الصواب الذي لا شائبة عليه .

علم الشريعة .

ص: 55


1- مطالب السؤول في مناقب آل الرسول –كمال الدين بن طلحة الشافعي – ص230 -231

دين الإسلام لما كان خاتمة الشرائع السماوية عن طريق النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم .

فقد أكد مبشر الإسلام على تعلّم الأحكام الشرعية لأنها تنقذهم من الفساد في الأرض .واستفاد المسلمون من كل من ارتبط بالوحي المبين ,فكان الإمام الحسن بن علي عليهما السلام من الذين لا يدانيه احد في الشريعة لأنه استقى ذلك من جده الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.

ومن أبيه الكريم الذي كان يقول :(ولقد كنت اتبعه إتباع الفصيل أثر أمه ,يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ,ويأمرني بالاقتداء به (1).)

فقد ذكر محمد بن مسلم قال :سمعت أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام

يقولان :بينا الحسن بن علي عليهما السلام في مجلس أمير المؤمنين عليه السلام إذ أقبل قوم فقالوا :يا أبا محمد أردنا أمير المؤمنين عليه السلام ,

قال : وما حاجتكم ؟

قالوا :أردنا أن نسأله عن مسألة.

قال :وما هي تخبرونا بها ,

فقالوا :امرأة جامعها زوجها فلمّا قام

عنها قامت بحموتها فوقعت على جارية بكر فساحقتها فأ لقت النطفة فيها فحملت فما تقول في هذا ؟

فقال الحسن عليه السلام :معضلة وأبو الحسن لها وأقول فان اصب فمن الله ثم من أمير المؤمنين عليه السلام وان أخطأت فمن نفسي فأرجو أن لا أخطي إن شاء الله :يعمد إلى المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية البكر في أول وهلة لان الولد لا يخرج منها حتى تشق فتذهب عذرتها ثم ترجم المرأة لأنها محصنة ثم ينتظر بالجارية حتى تضع ما في بطنها ويردّ الولد إلى أبيه صاحب النطفة ثم تجلد

الجارية الحد ,

ص: 56


1- نهج البلاغة –خطبة القاصعة –رقم -192 –ص348

قال :فانصرف القوم من عند الحسن عليه السلام فلقوا أمير المؤمنين عليه السلام فقال: ما قلتم لأبي محمد وما قال لكم ؟

وما قال لكم ؟ فأخبروه.

فقال : لو أنني المسؤول ما كان عندي فيها أكثر مما قال ابني .(1)

تنبيهات .

1-إن المعضلات التي كانت تعترض المسلمين لم يكن لها أهلاً سوى أمير المؤمنين عليه السلام حيث أن السائل جاء يسعى إلى من يجد عنده الدواء الناجع وكان الإمام الحسن عليه السلام من الذين ورثوا ذلك العلم .

2-إجابة الإمام الحسن عليه السلام تحتوي على أمرين :

الأول :إن الزوجة بفعلها القبيح قد أقرت على نفسها وقد استحقت على الرجم لما كانت محصنة

أما الجارية فان حكمها الجلد لأنها زانية كما قال تعالى (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة جلدةٍ ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين )

الثاني :غرامة المرأة للجارية مهر البكر نتيجة لما فعلته بعد ما أوجبت عليها تلفاً وحينئذ يلزمها عليها المهر .

3-فقد أكد أمير المؤمنين عليه السلام حكم ولده الإمام الحسن عليه السلام

وقال: لو أنني المسؤول ما كان عندي فيها أكثر مما قال ابني ,وهذا دليل أن الإمام الحسن هو مزيل الكرب عن المسلمين .

ص: 57


1- الفروع من الكافي – الكليني – ج-7 –ص203 –ح1

4- حكم أمير المؤمنين لا يقبل المساومة فهو الذي قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم (الحق مع علي وعلي مع الحق ,يدور الحق مع علي كيف ما دار(1))

وكذلك حكم الإمام الحسن عليه السلام لا قبل الشك فيه .

القذف

إن من أعظم الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية هو أن يتهم الأخ أخاه بتهمة وهو بريء عنها ,فان رسالة الإسلام جاءت للحث على المحبة والسلام والتعاون والأخوة الصادقة .

ودعت الآيات الكريمات إلى ذلك قال تعالى (إنما المؤمنون إخوة )

وقال تعالى (قد افلح المؤمنون )

ولذا فان المجتمع المسلم لم يطهر من تلك المآثم رغم التعاليم الصريحة والعقوبات التي فرضها عليهم كي يرتدع مَن يرتدع ولا يعود إلى ذلك كرةً أخرى ,

وهذه صورة من الصور التي حكم بها الإمام الحسن بن علي عليهما السلام بحكم لم تعرفه البشرية إلا من أهل بيت النبوة وموضع الرسالة السامية .

كان على عهد أمير المؤمنين عليه السلام رجلان متواخيان في الله عزّ وجلّ فمات أحدهما وأوصى إلى الآخر في حفظ بنية كانت له ,فحفظها الرجل وأنزلها منزلة ولده في اللطف والإكرام والتعاهد ,ثم حضره سفر فخرج وأوصى إمرأته في الصبية فأطال السفر حتى إذا أدركت الصبية وكان لها جمال وكان الرجل يكتب في حفظها والتعاهد لها فلمّا رأت ذلك امرأته خافت أن يقدم فيراها قد بلغت مبلغ النساء فيعجبه جمالها فيتزوجها فعمدت إليها هي ونسوة معها قد كانت أعدتهنّ

فأمسكها لها ثم افترعتها بإصبعها فلمّا قدم الرجل من سفره وصار في منزله دعا الجارية فأبت

ص: 58


1- المناقب-الخوارزمي-ص292

أن تجيبه استحياء مما صارت إليه فألحّ عليها بالدعاء كلُ ذلك تأبى أن تجيبه فلمّا أكثر عليها .

قالت له امرأته : دعها فإنها تستحي أن تأتيك من ذنب كانت فعلته .

قال لها :وما هو ؟

قالت : كذا وكذا ورمتها بالفجور فاسترجع الرجل ثم قام إلى الجارية فوبخها .

وقال لها :ويحك أما علمت ما كنت أصنع بك من الألطاف والله ما كنت أعدّك إلا لبعض ولدي أو إخواني وإن كنت لابنتي فما دعاك إلى ما صنعت ,

فقالت الجارية :أما إذا قيل لك ما قيل فو الله ما فعلت الذي رمتني به امرأتك ولقد كذبت علّي وان القصة لكذا وكذا ووصفت له ما صنعت بها امرأته .

قال :فأخذ الرجل بيد امرأته ويد الجارية فمضى بهما حتّى أجلسهما بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام وأخبره بالقصة كلها وأقرت المرأة بذلك .

قال :وكان الحسن عليه السلام بين يدي أبيه,

فقال له أمير المؤمنين :اقض فيها ,

فقال الحسن عليه السلام :نعم ,على المرأة الحد لقذفها الجارية وعليها القيمة لإفتراعها إياها .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : صدقت ,

ثم قال :أما لو كلّف الجمل الطحن لفعل(1)

توضيح .

ص: 59


1- الفروع من الكافي – الكليني – ج7-ص207-ح12

أولاً :إن الحكم الشرعي الذي حكم به الإمام الحسن عليه السلام من حد القذف لما اتهمت المرأة الصبية من دون جريرة وهذا ينم عن ذكاء الإمام عليه السلام دون أدنى شك , إضافة إلى تغريمها بالقيمة لما عملت من عملٍ منكر يدعو المرء إلى التأمل به .

ثانياً: كلمة أمير المؤمنين عليه السلام

لابنه (أما لو كّلف الجمل الطحن لفعل ) دليل على أن الإمام الحسن عليه السلام

يمكن أن يحل محل أبيه

ويحكم كما لو حكم أمير المؤمنين عليه السلام , ولذا لم يشك في حكمه .بل أراد إظهاره للمسلمين كي يعرفوا أن ابن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم هو الأولى بمن يقوم بالإمامة من بعد أبيه .

القتل

من أعظم الجرائم التي نبذها الإنسان وحرم على فعلها ربُ العالمين هو القتل , فإن مَن يمنع الإنسانية من العيش على الأرض في أمن وأمانٍ وراحة ورخاء يكون مدعاة إلى إنكار هذا الفعل ,والدعوة إلى عزل هكذا دعوات تحاول أن تنفرد بالسلطة والتجبر على الآخرين .

وقد حرم تعالى ذلك الفعل في عدة آيات قال تعالى ( من اجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه مَن قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتَل الناس جميعاً ومَن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ولقد جاءتهم رُسُلنا بالبينات ثم إن كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون )

وقال تعالى (ولَا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلّا بالحق ومَن قُتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً)

ص: 60

وشرعت لهذا الفعل عدة قوانين كي تمنع القتل والقتال بين البشرية كما شرعت القانون الصارم في شريعة الإسلام حفاظاً على المسلمين خصوصاً وعلى بقية الديانات السماوية و احتراماً لهذا الإنسان كي ينال حظه من العيش الرغيد من دون أن يناله الأذى في كافة مراحل حياته .

فهذه صورة من صور التي حكم فيها الإمام أبو محمد عليه السلام بالبراءة على شخصٍ من دون أن يثبت هنالك دليل على جرمه .

أتي أمير المؤمنين عليه السلام برجل وجد في خربة وبيده سكّين ملطّخ بالدم و إذا رجل مذبوح يتشحط في دمه

فقال أمير المؤمنين عليه السلام :ما تقول؟

قال : يا أمير المؤمنين أنا قتلته ,

قال :اذهبوا به فاقتلوه به ,فلمّا ذهبوا به ليقتلوه به أقبل رجل مسرعاً.

فقال :لا تعجلوا وردوه إلى أمير المؤمنين عليه السلام .

فقال : والله يا أمير المؤمنين ما هذا صاحبه أنا قتلته .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام للأول: ما حملك على إقرارك على نفسك ولم تفعل؟

فقال: يا أمير المؤمنين وما كنت أستطيع أن أقول وقد شهد عليّ أمثال هؤلاء الرجال وأخذوني وبيدي سكين ملّطخ بالدم والرجل يتشحّط في دمه وأنا قائم عليه وخفت الضرب فأقررت وأنا رجل كنت ذبحت بجنب هذه الخربة شاة وأخذني البول فرأيت الرجل يتشحّط في دمه فقمت متعجباً فدخل عليّ هؤلاء فأخذوني.

فقال أمير المؤمنين :خذوا هذين فاذهبوا بهما إلى الحسن عليه السلام وقصوا عليه قصتهما .

ص: 61

وقولوا له :ما الحكم فيهما فذهبوا إلى الحسن عليه السلام و قصّوا عليه قصتهما , فقال الحسن عليه السلام :قولوا لأمير المؤمنين عليه السلام إن هذا إن كان ذبح ذاك فقد أحيا هذا وقد قال الله عزّ وجل (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ) يخلى عنهما وتخرج دية المذبوح من بيت المال (1).

أسئلةُ حائرة .

أولاً :لماذا لم يحكم أمير المؤمنين عليه السلام بقتل المقرّ عليه بعدما ثبت عليه بالشهود ؟

ثانياً : لماذا أرسل هذه القضية إلى الإمام الحسن عليه السلام دون غيره ؟

ثالثاً :لماذا حكم الإمام الحسن عليه السلام بالبراءة ولم يكن هنالك دليل على براءة المتهم ؟

رابعاً : لماذا لم يجمع الإمام الحسن عليه السلام بين الإقرار والشهود في تلك القضية ؟

ردّ ذلك

أولاً : لعل من أهم الأمور التي ينبغي معرفتها أن أمير المؤمنين عليه السلام هو أهم شخصية تحكم في الإسلام بأحكامٍ غير قابلةٍ للمناقشة أو الشك فيها .

ثم أن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام

لم يحكم من دون بينة تثبت أن الذي وجد في مكان الحادث هو الذي قتل ذلك الشخص بمرأى ومسمع من الشهود وفي وقت واحد دون أدنى شك .

ص: 62


1- الفروع من الكافي – الكليني – ج7 –ص298 -290 –ح2

وهذا دليل على عظيم تقواه بحيث لم يجرأ أن يقتل هذا البريء من دون دليل

الرد الثاني

إن أمير المؤمنين عليه السلام يعرف ولده عليه السلام بماذا يحكم من دون أدنى شك.

وقد يعلم أن هذه القضية هي من أهم القضايا التي ينبغي أن يتنبه لها المجتمع المسلم كي لا يجازف ويرسل القضايا إلى قضاةٍ ذوي خبرةٍ قليلة أو غير ممارسي فصل الخصومة وخاصةً في موارد القتل والجروح .

و الإمام عليه السلام يكفيه فخراً أن يمدحه جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بقوله (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة )(1)

فالذي يكون سيد شباب أهل الجنة لا يحكم قطعاً إلا بما يوافق أمر السماء.

الرد الثالث .

إن الإمام الحسن عليه السلام قد حكم بالبراءة لعدة أسباب أهمها:

إن الشخص الذي أتهمُ بالقتل من دون دليل شرعي وقد أقرّ على نفسه بأنه ذبح شاة ولم يذبح إنساناً إلا أن الشهود قد شهدوا بعكس ذلك .

ثم إن الشهود لابد أن يلاحظوا حالة الجاني والمجني عليه حين وقوع الجريمة وليس نتيجة الفعل من دون دوافع أو مؤثرات أخرى .

ثم إن الشهود لابد أن يستندوا إلى شهادتهم بعد ما يكونوا قد رؤوا الفعل المنكر بمحض إرادته ومن دون مؤثرات خارجية

ص: 63


1- الاصابة في تمييز الصحابة –ابن حجر العسقلاني –ج1 –ص330

الرد الرابع

إن الإقرار وحده لا يكفي دليلاً شرعياً لإثبات القتل على المتهم , بل لابد من الشهود الذين يؤكدون أن القاتل هو الذي فعل ذلك الفعل القبيح بيديه من دون إكراه أو اضطرار أو شبهة أخرى , ولذا فإن الإمام الحسن عليه السلام حينما بّرأ المتهم المقبوض عليه لعدم وجود أدلة على القتل خصوصاً بعد ما أعترف بخوفه على نفسه من محاولة الشهود الاعتداء عليه عن لم يعترف بذلك .

كما أن المتهم لم يثبت عليه القتل لعدم وجود الشهود الذين يشاهدون حالة القتل .

فقد درأ الإمام الحسن عليه السلام الحد بالشبهة , ولعل ما دعا الإمام عليه السلام إلى أن يدفع من بيت المال لئلا تذهب الضحية هدراً و إنما عوضه بالمال من بيت مال المسلمين .

ص: 64

الفصل الخامس: كلمات الإمام الحسن عليه السلام

ص: 65

هلاك الناس

حذر الإمام الحسن بن علي عليهما السلام الناس من مهلكات يتعرضون لها في حياتهم اليومية , وعرض لذلك ليكون الإنسان على بصيرةٍ من أمره .

قال عليه السلام :هلاك الناس في ثلاث الكبر والحرص والحسد . فالكبر هلاك الدين ومنه لعن إبليس ,والحرص عدو النفس ومنه أخرج آدم من الجنة , والحسد رائد الجوع ومنه قتل قابيل هابيل .(1)

توضيح ذلك.

إن الكبر من الآفات التي حذر منها القرآن الكريم من هذا الداء الذي لا يكاد ينجو منه إلا ذو حظ عظيم .

فقد قال تعالى (ولا تصعّر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً )

فان القرآن الكريم ينكر هذا الفعل ويدعوا إلى نبذه ولذا فان الإمام الحسن عليه السلام ذكر أن هلاك الناس بالكبر ومنه لعن إبليس ,فكان من المبعدين عن ساحة رحمة ربّ العالمين مما دعاه إلى إغواء الإنسان

كي يخرجه من جنة الخلد.

قال تعالى (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين , قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نارٍ وخلقته من طينٍ , قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فأخرج إنك من الصاغرين )

ومن هذا المنطلق القرآني فان الإمام الحسن عليه السلام دعا إلى أن يتحصن المرء المسلم من هذا الداء لئلا يصيبه فيكون من الهالكين .

ص: 66


1- المطالب السؤول في مناقب آل الرسول –كمال الدين بن طلحة الشافعي – ص242

كما نبع هذا الحذر من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لما قال :إياك والإعجاب بنفسك ,فان ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحو ما يكون من إحسان المحسن .(1)

ومن تلك التي حذر منها الإمام الحسن عليه السلام قيل لرجل من بني عبد الدار :ألا تأتي الخليفة ؟

قال :أخشى أن لا يحمل الجسر شرفي .(2)

كما حذر من هؤلاء المتكبرين .فقيل للحجاج بن أرطاة: مالك لا تحضر الجماعة ؟ فقال :أكره أن يزاحمني البقالون .(3)

وهذا من أوضح صور التكبر الذي منعه الإسلام .

توضيح الحرص

ومن الصفات المذمومة التي أنكرها القرآن الكريم ودعا إلى إنكارها لئلا توجب ذلة للمرء ومهانة هو الحرص ولذا قال تعالى (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين )

وقد حرص أدم وحواء عليهما السلام على أن يعرفا لماذا منعهما ربّ العالمين من التقرب إلى الشجرة ؟

ولماذا حرصا على أن يخالفا ما أمره تعالى وبذلك خرجا من الجنة ؟

ولذلك فقد أكد الإمام الحسن عليه السلام :والحرص عدو النفس و به اخرج آدم من الجنة .

ص: 67


1- ربيع الابرار - الزمخشري – ج4 –ص186
2- المصدر نفسه –ح4-ص189
3- المصدر نفسه –ج4 –ص189

وقد اعتبره بعض الشعراء أن من اتبع حرصه فقد كان عبداً لكل شيء فيه إذلال للنفس :

إذا طاوعت حرصك كنت عبداً *** لكل دنيةٍ يدعو إليها.(1)

توضيح الحسد

ومن المهالك هو داء الحسد بحيث يتمنى زوال نعمة الآخرين. ولذا فان القرآن الكريم قد دعا إلى عدم الاقتراب من هذا الداء واعتبره من الشرور.

قال تعالى (ومن شر حاسدٍ إذا حسد )

وقال تعالى (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً )

ومن هذا المنطلق القرآني جاءت إرشادات الإمام الحسن عليه السلام في الحسد حيث ابتدأت بحسد قابيل لأخيه هابيل حتى قضى عليه بأبشع فعلٍ .

ولعل الإمام عليه السلام يشير إلى أن ابرز علامة للسيئات تبدأ من الحسد حيث لا يتمالك المرء نفسه ألا ويحاول التنكيل بإخوانه

من جرآء ما يراهم ما يتمتعون بالنعم العظام والخيرات الجسام التي منحها تعلى لعباده ومنعها عن غيرهم .

ورغم ذلك فان الحاسد يعيش في صراع مع الوهم من دون أن يتمتع بهذه الحياة

ولهذا يشير الإمام الحسن عليه السلام بقوله: ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من حاسدٍ.(2)

وذلك لما كان الحاسد قد يعتدي على حقوق الآخرين لسلب نعمتهم التي منحها تعالى لعباده , فكان ظالماً لهم .

ص: 68


1- المصدر نفسه –ج3-ص274
2- المطالب السؤول في مناقب آل الرسول – كمال الدين بن طلحة – ص 242

ورغم ذلك فان جريرته لا تذهب سدى وإنما جزاءً لعمله سوف يستحق إثماً مبيناً ,

الصمت

قد يكون للصمت منافع لا يعرفها سوى النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيت النبوة والإمام الحسن عليه السلام يرشد العباد إلى أهمية الصمت .

قال عليه السلام : هو ستر للغي وزين للعرض وفاعله في راحة وجليسه في أمن .(1)

إنارة

الإمام الحسن عليه السلام يشير إلى عدة أمور :

أولاً : إن الإنسان الصامت فهو في مأمن من الآخرين بحيث لا يتعدى حدوده ولا يعتدي على الآخرين من أبناء مجتمعه .

ثانياً :إن المساوئ التي كانت موجودةً في الإنسان مادام كونه ساكتاً ولم يتكلم كي يفتضح من جراءها .

ثالثاً :إن شرف المرء محفوظ مادام لم يقتحم حدود الآخرين فيكون في أمانٍ .

رابعاً :إن الاطمئنان في السكوت أفضل من التكلم في جني المآثم التي سوف يحصدها .

ولذا قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم :نجاة المؤمن في حفظ لسانه .(2)

ص: 69


1- الفصول المهمة – لابن الصباغ – ص151
2- اصول الكافي – الكليني –ج2-ص93-ح9

كل هذه الأمور ينبغي التنبه لها لئلا يقتحم المهالك من حيث يشعر أولا يشعر وحينذاك لات حين مناص .

صفات المؤمن .

للإمام الحسن عليه السلام نظرةُ في صفات المؤمن الذي مدحهم القرآن الكريم في كتابه العزيز بقوله تعالى (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رُحماء بينهم تراهم رُكعّاً سُجّداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيما هم في وجوههم من أثر السجود ذلك مَثلهم في التوراة ومَثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئهُ فأزرهُ فأستغلظ فأ ستوى على سُوقه يعجب الزّراع ليغيظ بهم الكفار وعدَ الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرةً وأجراً عظيماً )

وقوله تعالى (لا يعصون الله ما أمرهم ) وهكذا غيرها من الآيات الكريمات .

ولعل تلك نظرة الإمام الحسن عليه السلام نبعت من الآيات العظيمة وكلام جده صلى الله عليه وآله وسلم وأبيه أمير المؤمنين عليه السلام الذين ما فتئوا إلا وهم يحذرون الأمة الإسلامية من مضلات الفتن

التي تحاول أن ينحرف بالمؤمن عن مساره الطبيعي .

ولأجل ذلك فإن الإمام الحسن عليه السلام يحاول أن يوجه المؤمن إلى المنهاج القويم ليحذر الأمة الإسلامية من صفات بات صداها يتردد في كل زمان. وليكون ذلك التوجيه صوتاً منبعثاً من الأعماق ويكّن معه الحب والاحترام ولكل من يسلك سبيل المهتدين .

فكان عليه السلام يقول :من لم يحفظ هذا الحديث كان ناقصاً في مروته وعقله )

قلنا :وما ذاك يا بن رسول الله ؟

ص: 70

فبكى وأنشأ يحدثنا فقال :( لو أن رجلاً من المهاجرين أو الأنصار يطلع من باب مسجدكم هذا, ما أدرك شيئاً مما كانوا عليه إلا قبلتكم هذه – ثم قال –هلك الناس –ثلاثاً –بقول ولا فعل ,ومعرفة ولا صبر,ووصف ولا صدق ,ووعد ولا وفاء , مالي أرى رجالاً ولا عقول ,وأرى أجساماً ولا أرى قلوباً دخلوا في الدين ثم خرجوا منه , وحرموا ثم استحلوا ,وعرفوا ثم أنكروا , وإنما دين أحدكم لسانه , ولئن سألته هل يؤمن بيوم الحساب ؟

قال :نعم ,كذب ومالك يوم الدين ,إن من أخلاق المؤمنين قوة في دين ,وحزماً في لين ,وإيماناً في يقين , وحرصاً في علم ,وشفقة في مقة , وحلماً في حكم , وقصداً في غنى ,وتجملاً في فاقة , وتحرجاً عن طمع , وكسباً من حلال , وبراً في استقامة ,ونشاطاً في هدى ,ونهياً عن شهوة .

إن المؤمن عواذ بالله , لا يحيف على مَن يبغض , ولا يأثم فيمن يحب , ولا يضيع ما استودع , ولا يحسد ,ولا يطعن ,و يعترف بالحق وإن لم يشهد عليه , ولا ينابز بالألقاب, في الصلاة متخشع , والى الزكاة مسارع , وفي الزلات وقور , وفي الرخاء شكور , قانع بالذي عنده , لا يدعي ما ليس له , لا يجمع في قنط, ولا يغلبه الشح عن معروف يريده , يخالط الناس ليعلم ,و يناطق ليفهم ,وإن ظُلم أو بغي عليه صبر حتى يكون الرحمن الذي ينتصر له.(1)

تحذير لابد منه

الإمام الحسن عليه السلام قد شاهد مشاهد من الأجساد التي تدب على الأرض وأدعت أنها مؤمنة . لكن صفة الإيمان لم يكن باديةً عليها .

ص: 71


1- اعلام الدين في صفات المؤمنين –الديلمي –ص136-137

بل آثار الإيمان قد إندرست عنها بعدما بذل الجهود الجبارة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام من تعاليم السماء ليكون منهاجاً لهم في مسيرتهم اليومية .

الأسى واللوعة بدت على الإمام الحسن عليه السلام من كلامه الشريف وهو يحاول أن يصف هؤلاء بصفاتٍ لم يكن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم

ولا أمير المؤمنين عليه السلام ومن قبلهما القرآن الكريم قد غرس فيهم تلك الصفات بل على العكس من ذلك , فحينما يقول الإمام عليه السلام (هلك الناس من القول ولا فعل )

فان القرآن الكريم يستنكر هذا الشيء حينما قال تعالى (أولئك الذين يقولون مالا يفعلون ) وهذه ليست مما دعا إليها الإسلام في كتابه العظيم .

ولمّا يقول عليه السلام (ومعرفة ولا صبر ) فان بالصبر يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب كما ذكرها القران الكريم ,وحينما يكون هنالك علم ولم يقترن بالصبر فإنه قد يؤدي إلى التهور في استخدام العلم واقتحام الشبهات التي تورده مورد الهلاك ,وحينئذ فلا فائدة من ذلك العلم .

وعرض الإمام عليه السلام الأوصاف التي ينبغي أن يتصف بها المسلم والتي من شأنها رفعه إلى مصاف الأولياء ,وهذه لا يمكن وجودها من دون جد واجتهاد في العمل الذي يوافق قوله ,فان مجرد وصف من دون فعلٍ يكون من الذين ذمهم القرآن الكريم بقوله تعالى( ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعدّ لهم جهنم وساءت مصيرا)

فان هؤلاء يسمع الحسنة لكن لا يفعلها وحينئذ

استحق القرآن الكريم أن يصفهم بالمنافقين .

ص: 72

واستنكر الإمام عليه السلام ممن يواعدون أقرانهم لكنهم لا وفاء لهم ,وهذا يوجب التدابر وانعدام الثقة بينهم ,بل يخلّف المساوئ الجسيمة وأهمها فقدان الصديق الوفيّ ,والأخ المواسي لأخيه في الشدة والرخاء .

ورفض ابن الرسول الأعظم عليه السلام الأجساد التي لا تتمتع بعقل راجح وإنما تميل مع العاطفة والأهواء ,والمهم هو توجيه العقل في الشدائد والمحن كي ينجو منها ,كما رفض القلوب التي لم تؤمن بدينها القويم وإنما مرّ عليها الدين مرّ السحاب وهذا امتدادُ من القران الكريم (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب)

وقال تعالى (إنما يتذكر أولو الألباب )

ولم يشأ أبو محمد الزكي عليه السلام إلا أن يظهر أساه على كلماته لما قال ( دخلوا في الدين ثم خرجوا منه --)فهو يعتقد بالدين ويعلم علم اليقين أن تعاليمه جاءت لإنقاذه من الشبهات التي تحوم حوله ,ويقرّ بتلك الأمور إلا انه يحاول أن يعرض عنها ويستحل المحرمات وينكر المعروف ويعمل بالمنكر فهو يتفوه بها ولا يحاول أن يطبقها على سيرته ومجتمعه وسائر من يحيط به فبؤساً له وتعساً من تلك الآفات التي بات يتشبث بها ولا يعرف عقباها .

أخلاق المؤمن

من أهم الدواعي التي دعا إليها الإمام عليه السلام أن تكون له قوة في دينه ولا يستضعف أو يضعف أمام الشهوات الشيطانية أو غرور الدنيا .فان هذه القوة التي تدافع عن ذلك الجسد الخاوي تجعله في حصنٍ منيع بعيداً عن كل شر قد يعترض له.

لكن هذه القوة لا يبقى متصلباً في رأيه حتى وإن أدى ذلك إلى إنكار حقه ,وإنما هنالك لين في رأيه بحيث يرشد إخوانه بكل وسيلة نافعة في سبيل الحفاظ على دينهم القويم

ص: 73

وقد مدح القرآن الكريم بعض تلك الطرق التي من شأنها سلوك السبيل السوي (الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً )

فهذا النموذج الحياتي ما هو إلا تعبير دقيق عن مدى الأهمية التي ينبغي أن يتعامل بها في الدين .

وحبب الإمام عليه السلام أن يكون اعتقاده عن يقين حتى يكون مؤمناً ,لان الشكوك والأوهام لا ينتفع منها .بل يزداد جهلاً وضلالاً ,

ولذا فان القرآن الكريم يقول (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون ,الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون , أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم ومغفرةُ ورزقُ كريم )

وأكد الإمام عليه السلام (وحرصاً في علم ) على حقيقة الحرص الذي يكون مقروناً بالعلم , لان الدين الذي يكون عن علم ينبغي أن يحرص عليه المرء ولا يهمله أو يتوانى في تعليمه لان من شأنه أن يحبط درجاته لأنه اتخذ سبيل الغي .

أما الشفقة في مقة التي دعا إليها الإمام عليه السلام المقترنة بالود والمحبة فان هذه من أخلاق القرآن الكريم التي حث عليها عباده المؤمنين كي يكونوا خير امةٍ تمثل الدين السماوي .قال تعالى (ووصينا الإنسان بوالديه حسناً وان جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما أليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون)

وقال تعالى (وصاحبهما في الدنيا معروفاً)

أما حلماً في حكم فان الحلم رأس كل عمل يمكن أن يجني منه الأرباح التي تطاله ,فمن لم يكن له حلماً فان ما يصدره من أحكام على الآخرين سوف يجازف فيه ,بل ويقتحم موارد الأخطار من حيث يشعر أو لا يشعر ,

ولذا فان القرآن الكريم قد مدح نبي الله إسماعيل عليه السلام (فبشرناه بغلام حليم )

ص: 74

وقال الإمام أبو جعفر عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :إن الله يُحب الحيّي الحليم العفيف المتعفف )(1)

لعل ما دعا الإمام الحسن عليه السلام أن يجمع بين الحلم والحكم ,فإن أحدهما لا يمكن الانتفاع به ما لم يكن الآخر قرينه فان حلماً من دون حكم فقد يكون في غير مورده وفي غير محله دون ما إذا اقترن به .

أما القصد في الغنى فأن أعظم كلمة نطق بها الإمام عليه السلام حينما يحتاج المرء المسلم إلى ذلك , فان للغنى مساوئ ومحاسن

ومن مساوئه فانه يكون مشغولاً بدنياه وترك آخرته,ومن محاسنه فهو قد أغنى نفسه ولا يحتاج إلى من يعينه.

ومن جملة مساوئه هو الإسراف على الشهوات والملذات من دون رقيب بل وحتى الإسراف والتبذير في المعيشة من دون أن يجعل لها سبيلاً.

وان كان من محاسنه هو إعانة ألآخرين كي يكون له عملاً مذ خوراً في آخرته ,ومن هذا المنطلق قد جمع الإمام أبو محمد عليه السلام

القصد مع الغنى كي لا يناله جملة المساوئ التي عبّر عنها القرآن الكريم بقوله تعالى (ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً )

خصلتان

الإمام الحسن بن علي عليهما السلام دعا إلى أمرين هما: التجمل وان كان فقيرا ,ونبذ الطمع .

فان الفقير لا ينبغي له أن يترك مظهره الخارجي نتيجةً لفقره,وإنما بما هو ميسرُ له بحيث يكون مثاراً للدهشة والاستنكار, ولعل الإمام الحسن عليه السلام كان يمثل

ص: 75


1- اصول الكافي – الكليني – ج2-ص92-ح8

أعظم هيبةً وتجملاً أمام الآخرين كي يقتدوا به, ليكون له الأثر الايجابي في المجتمع المسلم ويغيظ الأعداء والحاقدين عليه .

التجمل عند الإمام الحسن عليه السلام.

فقد اغتسل –الإمام الحسن عليه السلام – يوماً وخرج من داره في حلة فاخرة وبزة ظاهرة بمحاسن سافرة وقسمات ناضرة ونفحات ناشرة ووجهه يشرق حسناً وشكله قد كمل صورة ومعنى , والإقبال يلوح من أعطافه ونضرة النعيم تعرف في أطرافه وقاضي القدر قد حكم أن السعادة من أوصافه ,ثم ركب بغلة فارهة غير قطوف وسار مكتنفاً بحاشيته وغاشيته بصفوف ,فلو شاهده عبد مناف لأرغم بمفاخرته

به معاطس أنوف وعده وحده لإحراز خصل الفخار يوم التفاخر بألوف ,فعرض له في طريقه من محاويج اليهود همّ في هدمٍ قد أنهكته العلة وإرتكبته الذلة وأهلكته القلة, وجلده يستر عظامه وضعفه يقيد أقدامه وضره قد ملك زمامه وسوء حاله قد حبب إليه حمامه وشمس الظهيرة تشوي شواه وأخمصه تصافح ثرى ممشاه وعذاب عرعريه قد عراه وطول طواه قد أضعف بطنه وطواه وهو حامل جر مملوء على

مطاه وحاله تضعف عليه القلوب القاسية عند مرآه ,

فاستوقف الحسن عليه السلام وقال :يا بن رسول الله أنصفني .

فقال عليه السلام :في أي شيء .

قال : جدك يقول (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) وأنت مؤمن وأنا كافر فما أرى الدنيا إلا جنة لك تتنعم فيها وتستلذ بها ,وما أراها إلا سجناً لي قد أهلكني ضرها وأتلفني فقرها ,

فلما سمع الحسن عليه السلام كلامه أشرق عليه نور التأييد فاستخرج الجواب الحق بفهمه من خزانة علمه وأوضح لليهود خطأ ظنه وخطل زعمه.

ص: 76

فقال : لو نظرت إلى ما أعد الله تعالى للمؤمنين الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع من نعيم الجنان والخيرات الحسان في الدنيا و الآخرة مما لا عين رأت ولا أذن سمعت , لعلمت أنني قبل انتقالي إليه من هذه الدنيا في سجن ضنك , ولو نظرت إلى ما اعد الله لك ولكل كافر في الدنيا والآخرة من سعير نار الجحيم ونكال العذاب المقيم لرأيت أنك قبل مصيرك إليه الآن في جنة واسعة ونعمة جامعة .(1)

الخصلة الثانية .

وهي أن يتحرج عن الطمع ,لان للطمع مساوئ ولعل من أهمها إنكار المعروف وعدم العمل به ,والإتيان بالمنكرات التي من شأنها أن تسد منافذ الطمع .

أن ما يدعوا إليه الإمام الحسن عليه السلام إلى اجتناب هذه الخصلة التي تعّد من ابغض الأشياء التي لا يمكن أن تمّر على الإنسان المسلم إلا وقد أخذت منه موقعاً حسناً من حيث لا يشعر ,ولذا فإن استنكار الطمع قد يوّلد حالة دفاعية من هذا الوباء الذي يصيب المرء .

الكسب الحلال .

أما الكسب الحلال فذلك الذي يطلبه الإنسان فيسفره وحضره ,والذي ينبه عليه الإمام عليه السلام فان للكسب مداخل بعضها مشروعة وأخرى غير مشروعة, ولعل الشيطان يحاول أن يغر الإنسان بالمكاسب غير المشروعة ويزين له ذلك وييسر له طرقه بحيث يكون أقرب إليه من الكسب الحلال الذي يحتاج إلى مشقةٍ وعناء.

وما أكده الإمام أبو محمد عليه السلام هو بعينه ما أكدت عليه الآية الكريمة.

ص: 77


1- المطالب السؤول في مناقب آل الرسول – كمال الدين بن طلحة الشافعي –ص-231-232

قال تعالى (فكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً واشكروا نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون )

خصلتان مشترك.

هناك صفتان تشتركان في حكم وهما (براً في استقامة ونشاطاً في هدى) فان الأعمال الصالحة تدل على شخصية المرء كما أن دينه القويم مدعاة إلى الاقتداء بهداه .

ولعل الإمام عليه السلام يشير إلى أهمية الدين الصحيح الذي يؤمن به كي يهتدي الآخرين بهداه ,وليس ممن يتخذون من الدين وسيلة لنيل المآرب الشخصية ,

ولذا فان القرآن الكريم ينبه إلى هذه الحقيقة. قال تعالى( قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحقُ أن يتبع أمّن لا يهدي إلا أن يُهدى فما لكم كيف تحكمون )

اعتبار .

الإمام الحسن عليه السلام ينهى عن الشهوات ,فان لها كوارث على البدن ,فان الشهوات إذا أخذت طريقها ولم يتحكم بها العقل ولم ينهها عن غيها فقد تؤدي به في دنياه إلى الاكتساب الموبقات التي منعها القرآن الكريم لما توجب الدمار على المجتمع البشري .

والقرآن الكريم يؤكد هذا الأمر حينما يذكر قصة نبي الله لوط عليه السلام.

قال تعالى (ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحدٍ من العالمين ,أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أئتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين ,قال ربّ انصرني على القوم المفسدين )

ص: 78

صفات المؤمن

الصفة الأولى :الاستعاذة

يؤكد الإمام الحسن عليه السلام أن المؤمن مادام يؤمن بربه وبدينه فهو الركيزة التي يعتمد عليها لكن كل ذلك فهو ليس بمنأى عن الأخطار التي تحيط به ,فان للشيطان مسارب يمكن أن يدخل من خلالها ليزيله عن الإيمان .

والإمام عليه السلام يذكر المؤمن أن له أن يستمر على طريقه السوي بواسطة الاستعاذة من همزات الشياطين.

وهذا ما أكده القرآن الكريم بقوله تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ,إنه ليس له سلطان على الذين يتوَلونه والذين هم به مشركون)

الصفة الثانية

إن الإمام الحسن عليه السلام يذكر أن لا يكون المؤمن ظالماً لمن ابغضه ,فانه قد يكون لشبهة قد علته ,وبات أسيراً لهواه فيوجهه جهله أينما سار ,ولذلك ينبغي التعامل مع هؤلاء بحذر وحيطة لئلا ينعكس الإصلاح ويصبح فساداً .

وهذا جانب مما تعامل به الإمام عليه السلام في ذلك الأمر .

أن عائشة قالت :دخل رجل من أهل الشام المدينة فرأى رجلاً راكباً على بغلة حسنة قال :لم أر حسن منه فمال قلبي إليه فسألت عنه فقيل لي :إنه الحسن بن علي بن أبي طالب فامتلأ قلبي غيظاً وحنقاً وحسداً أن يكون لعلي ولد مثله فقمت إليه.

فقلت :أنت ابن أبي طالب ؟

فقال :أنا ابنه ,فقلت:أنت ابن مَن ومن ومن وجعلت اشتمه وأنال منه ومن أبيه !

ص: 79

وهو ساكت حتى استحييت منه , فلما انقضى كلامي ضحك وقال :أحسبك غريباً شامياً؟ فقلت :أجل ,

فقال :فمل معي ,إن احتجت إلى منزل أنزلناك وإلى مال ارفدناك وإلى حاجة عاوناك .

فاستحييت والله منه وعجبت من كرم خلقه , فانصرفت وقد صرت أحبه ما لا أحب غيره .(1)

الصفة الثالثة .

إن المحبة لابد أن تكون وفق الموازين الصحيحة ,فليس فيها إجحاف بحيث تؤدي بالمحب أن يدعي الربوبية ,وهذا ما فعله فرعون حينما أطاعوه قومه فتجبر عليهم وادعى أنه ربهم الأعلى ,

ولعل ذلك الحب في بعض الأحيان يؤدي إلى الفساد في الدين ,

وهذا ما أنكره الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام حينما قال :هلك فيّ اثنان محب غال ومبغض قالٍ.(2)

ومن اجل ذلك فان الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام كان يوجه المسلمين إلى اتخاذ الدين ميزاناً لهم حيث أمر بمحبة المؤمن ونبذ المنافق ,

ودليل ذلك انه قال عليه السلام :لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني, ولو صببت الدنيا بجمالها على المنافق على أن يحبّني ما

أحبّني .وذلك أنه قُضي فانقضى على لسان النبيّ الأميّ صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :يا علي ,لا يبغضك مؤمن ,ولا يحبك منافق .(3)

ص: 80


1- المطالب السؤول في مناقب آل الرسول –كمال الدين بن طلحة الشافعي –ص235-236
2- نهج البلاغة – باب حكم امير المؤمنين عليه السلام –رقم -117
3- المصدر نفسه –رقم 45

الصفة الرابعة .

الأمانة التي حث عليها القرآن الكريم هي من أهم سمات المؤمنين بحيث المحافظة عليها تدل على عظم ما حببت إليه شرائع السماء من العهود والمواثيق التي من شأنها أن يدوم المجتمع ,

ولذا قال تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعمّا يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً)

ومن هذا المنطلق فقد نطق الإمام الحسن عليه السلام بقوله (ولا يضيع ما استودع ) لان إضاعة أمانة مدعاة إلى خيانة المؤمن بعد ما تعهد بالحفاظ عليها مادام موجوداً في هذه الدنيا.

الصفة الخامسة .

الإمام الحسن عليه السلام يصف المؤمن بعدم الحسد لأخيه المؤمن ,لان جده الرسول الأمين صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول :كاد الفقر أن يكون كفراً وكاد الحسد أن يغلب القدر.(1)

كما وصف الإمام عليه السلام أن المؤمن لا يطعن في حق أخيه المؤمن لان ذلك يوجب الفرقة بين المسلمين .

فقد قال أبو جعفر عليه السلام إن رجلاً من بني تميم أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال :أوصني,

فكان فيما أوصاه أن قال:لا تسبوا الناس فتكتسبوا العداوة بينهم .(2)

ص: 81


1- اصول الكافي – الكليني –ج2-ص232-ح4
2- اصول الكافي – الكليني –ج2-ص268-ح3

فان الطعن بالإخوان يوجب المساوئ الكثير و منها العداوة والبغضاء ولذا اعتبر الإمام هاتين الخصلتين من التي تخلف عدم الإيمان لمن اعتنقه .

الصفة السادسة .

الإسلام حبب القول الصادق لما له من منفعة في المجتمع بحيث تكون العلاقة مبنية على الاحترام المتبادل .

ومن هذا كان القرآن الكريم يوجه المؤمنين بقوله تعالى (من المؤمنين رجالُ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم مَن قضى نحبه ومنهم مَن ينتظر وما بدّلوا تبدّيلاً)

وقد ارشد الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام إلى الرسالات السماوية بان صاحبها لابد أن يكون صادقاً ويدعو إلى الصدق .

قال :إن الله عزّ و جلّ لم يبعث نبياً إلا بصدق الحديث وأداء الأمانة إلى البر والفاجر.(1)

فان الأنبياء لما بعثوا إلى كافة أطراف الأرض فكان أهم شيء من سيرتهم هو صدقهم في أفعالهم وأقوالهم ,

والقرآن الكريم قد شهد بذلك (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديّقاً نبياً )

وقال تعالى (واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً )

وقال تعالى (واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صدّيقاً نبياً )

ومن هذا فان الإمام الحسن بن علي عليه السلام يشير إلى أهمية الصدق من حيث الإقرار أمام الآخرين وان أدى ذلك إلى جهالة حقه. فهو موقف جدير بالاحترام والتقدير .

ص: 82


1- المصدر نفسه –ص85-ح1

الصفة السابعة

حذر القرآن الكريم بعدم التنابز بالألقاب لما يوجب ذلك من مهانة المؤمن قال تعالى (ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان )

وحذر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم من تتبع عثرات المؤمنين ومن أوضح صوره هو النبز بالألقاب وإهانة المؤمن .

عن إسحاق بن عمار قال سمعت أبا عبد الله يقول :قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :يا معشر مَن أسلم بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه لا تذموا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فانهُ من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته , ومَن تتبع الله تعالى عورته يفضحه ولو في بيته .(1)

ولأجل ذلك كان الإمام الحسن عليه السلام يحذر من عدم الاقتراب من هذه الخصلة السيئة .

صفات المؤمنين

الأولى :الخشوع في الصلاة .

اهتم الإمام الحسن عليه السلام ببيان الصلاة لما لها من أهمية في حياة المسلم ,فان الصلاة إذا لم تقترن بالخشوع فلا تسمى صلاةً .بل هي أفعال الصلاة من دون مناجاة حقيقة بين العبد وخالقه كي يدل على صدق عبوديته وتذلل بين يدي بارئه .

قال عليه السلام :في الصلاة متخشع ,وهو انطلاق من الآية الكريمة (قد افلح المؤمنون ,الذين هم في صلاتهم خاشعون)

ص: 83


1- اصول الكافي –الكليني –ج2-ص264-ح2

وقرن المؤمن بمسارعته للزكاة حيث أهم عمل يدل على صدق ما قاله في صلاته امتثاله لأمر خالقه ,وأداء الحق المفروض عليه

والقرآن الكريم قرن بين الصلاة والزكاة في عدة آيات .

قال تعالى (وجعلني مباركاً أين ما كنتُ وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حياً )

وقال تعالى (والذين هم للزكاة فاعلون )

كما قرن الإمام الحسن عليه السلام بين الصلاة والزكاة (في الصلاة متخشع ,والى الزكاة مسارع )

وفي كلا الأمرين يعد من الذين يسارعون في الخيرات والتي ذكرها القران الكريم بقوله تعالى (و زكريا إذ نادى ربه ربّ لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين ,فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجهُ إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباَ ورهباَ وكانوا لنا خاشعين )

الصفة الثانية :وقور عند الزلازل.

يعرف المؤمن بأنه ثابت على إيمانه حينما تعرض عليه المحن ويختبر بها ,وحينئذ فإما أن يصبر فيناله الجزاء العظيم ,وإما أن يكفر فلا يناله سوى الخسران المبين.

والإمام الحسن عليه السلام يشير بقوله وفي الزلات وقور .رغم أن المصائب إذا حلّت على المرء قد تخرجه عن طوره و تهزمه بحيث يكون في هلع وجزع ,

وهذا ما نبه عليه القران الكريم ,بقوله تعالى (إن الإنسان خُلق هلوعاً ,إذا مسه الشر جزوعاً ,وإذا مسه الخير منوعاً)

وفي مقابل ذلك فان ما انعم الله تعالى على عبد ه ينبغي أن لا يكون كفوراً لتلك النعم, لان ذلك من إنكار حقه تعالى على عباده

,

ص: 84

ولذا فان الإمام أبو محمد عليه السلام ينبه إلى أهمية الشكر في حالة الرخاء لان ذلك موجب لزيادة النعم الكثيرة

فقد أكد القران الكريم على الشكر لما قال تعالى (وإذ تأذّن ربُكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إنّ عذابي لشديد )

ومدح القرآن الكريم الأنبياء رغم المحن التي واجهوها من بداية الرسالة السماوية وتبليغها إلى أقوامهم . وهذا نبي الله نوح عليه السلام من الذين ذكرهم الدستور الإسلامي السامي .

فقد قال تعالى (ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبداً شكوراً)

ولذلك فان نبي الإسلام كان يشكر كل ما منحه تعالى له .

فقد قال أبو جعفر عليه السلام :كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند عائشة ليلتها ,

فقالت : يا رسول الله لم تُتعب نفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال :يا عائشة ألا أكون عبداً شكوراً؟

قال وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوم على أطراف أصابع رجليه فانزل الله سبحانه وتعالى (طه ,ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ).(1)

الصفة الثالثة :القناعة .

القناعة من الكنوز التي ينبغي للمؤمن أن تكون عنده ولئلا يستغل الطمع تلك الفرصة فيستولي عليه .

ص: 85


1- اصول الكافي – الكليني –ج2 –ص77-ح6

ومن آثار القناعة الغنى عن الآخرين وهذا ما دعا الإمام الحسن بن علي عليه السلام إلى أن يقول (قانع بالذي عنده). وهو الذي ذكره الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال :من أراد أن يكون أغنى

الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يد غيره .(1)

ومن كل ذلك نبه الإمام عليه السلام على أمر مهم وهو أن لا يكون المرء يطمع بما في أيدي الآخرين وهو ما ذكره القرآن الكريم في قاله تعالى (ولا تمدنّ عينيك إلى ما متعنا به أزوجاً منهم زهرة الحياة الدنيا ).

ولعل ما أشار إليه الإمام الحسن عليه السلام من قوله لا يدعي ما ليس له هو تطبيق للآية الكريمة والتي نبذت الطمع بكل أشكاله ,فإن ذلك في غاية الأمانة .لان اغتنام ما ليس له مدعاة إلى اقتحام المحرمات التي أنكرها القران الكريم على المسلم أن لا يجازف يفعلها .

الصفة الرابعة: القنوط والشح .

إن القنوط من رحمة ربّ العالمين تعد من الكبائر التي حذر منها عباده.

قال تعالى (يا بنيّ أذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون )

كما حذر القران الكريم من الشح الذي يوجب الويل على النفس وعلى كل من يعول به .

قال تعالى (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً)

ص: 86


1- اصول الكافي – الكليني –ج2-ص113 –ح8

فان كلا هذين الأمرين مدعاة إلى أن يعيش المرء في حال البؤس والشقاء وهذا ليس من ديدن المؤمن الذي يعتقد ان هنالك رازقاً يرزق عباده من كافة صنوف المعاش, ويعتقد بان لكل عملٍ جزاءً , كما يعتقد أن البخل في أداء المعروف ليس من ديدن المؤمن ,

ومن هذا كان الإمام الحسن بن علي السلام يرشد المؤمنين بأن (لا يجمع في قنط ولا يغلبه الشح عن معروف يريده)

فان من جمع بين القنوط من رحمة الله والشح في المعروف فقد قضى على دنياه وآخرته .

الصفة الخامسة : التعلم والاختلاط

من محاسن المؤمن أن يختلط مع إخوانه من الناس كي يتعلم منهم ما ينفعه مما يضره وكي يتعلموا منه ويرشدهم ويرشدوه .

وهذا ما ذكره الإمام عليه السلام بقوله (يخالط الناس ليعلم)

فان عدم الاختلاط يؤدي به إلى العزلة وهي منكرة في شريعة الإسلام ,وذلك لما لها من آثار سلبية بحيث تقطع الصلة بين الأرحام والإخوان ,ولا يكون هنالك مبادئ للعيش السليم , ولهذا فان المجتمع مبني على التفاهم ولغة الحوار ,فإذا لم يفهم المؤمن مجتمعه فلا يستطيع أن يتعلم منهم ويتعلموا منه .

و لإجل ذلك فقد نطق الإمام عليه السلام بقوله (و يناطق ليفهم ) من منطلق كون هذه العلاقة سوف يؤدي إلى الانسجام إبراز كل ما يصبو إليه المجتمع من محاسن ونبذ السيئات .

الصفة السادسة :البغي.

ص: 87

حدد الإمام أبو محمد عليه السلام بقوله (وان ظلم أو بغي عليه صبر حتى يكون الرحمن الذي ينتصر له)

إن الصبر من سمات المؤمن كي يناله الجزاء العظيم .

فقد أكد القرآن الكريم بقوله تعالى (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )

فان مَن فوض أمره إلى ربه فلا يخاف دركاً ولا يخشى . لان هنالك من يأخذ له بحقه في دنيا لما تعرض له من بغي وعدوان من دون موجب لذلك ,ولم يرد على ظالمه سوى صبره .

وهذا ما يدعو الظالم إلى أن ينكر حق مظلومه ولا يدعي ما فعله إلا بحق وهذا من الوهم الذي يكاد أن يعيش فيه .

ودعا القران الكريم إلى التدبر بآياته كقوله تعالى (وأملي لهم أن كيدي متين )

وقوله تعالى0(كذلك العذاب ولعذاب الآخرة اكبر لو كانوا يعلمون )

وبحق الصابر في سبيل حقه قال تعالى(واصبر وما صبرك إلا بالله ولاتك في ضيق مما يمكرون )

كل هذا قد أشار إليه الإمام عليه السلام كي لا يبقى عذر معتذر أو غفلة غافل وليكن على بينة من أمره .

ص: 88

الفصل السادس: خطبة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام أمام أبيه

ص: 89

ليس من الإنصاف إنكار من نزل القرآن الكريم بحقهم , ودعا إلى طاعتهم وسؤالهم في كل معضلة ومحنة التي يعجز عنها المسلمون .

وليس من العدالة أن يقدم أحد من الذين لم ينتهلوا من النبوة كما إنتهل أهل البيت عليهم السلام .

الذين يقولون:سلوني قبل أن تفقدوني فو الذي فلق الحبة وبرء النسمة لو سألتموني عن أية آية في ليل أنزلت أو نهار أنزلت مكيها ومدنيها ,سفريها وحضريها ,ناسخها و منسوخها ,محكمها ومتشابهها ,وتأويلها وتنزيلها لأخبرتكم به .

وليس من الإسلام في شيء من لم يكون مؤهلاً لقيادة المسلمين وهو يعجز عن رد الأسئلة التي ترد عليه ,ويترك كل من قال عنهم القرآن الكريم (فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )

من أجل كل هذه الأمور ينبغي أن يدرك المسلمون ما للإمام الحسن بن علي عليهما السلام من أهمية في حياتهم.

وقد بينها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لما قال :سلوني قبل أن تفقدوني فلم يقم إليه أحد فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.

ثم قال للحسن عليه السلام : قم يا حسن فاصعد المنبر فتكلم بكلام لا يجهلك قريش من بعدي ,فيقولون :إن الحسن لا يحسن شيئاً ,

قال :يا أبه كيف أصعد وأتكلم وأنت في الناس تسمع وترى ؟

فقال : بأبي أنت وأمي أواري نفسي منك وأسمع و أرى ولا تراني .

ص: 90

فصعد الحسن عليه السلام المنبر فحمد الله بمحامد بليغة وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاة موجزة ,

ثم قال :أيها الناس سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : أنا مدينة العلم وعلي بابها وهل يدخل المدينة إلا من الباب ثم نزل عليه السلام فوثب علي عليه السلام فتحمله وضمه إلى صدره---الخ الحديث .(1)

أسئلة حائرة .

1-لماذا حاول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أن ينطق الإمام الحسن عليه السلام أمام المسلمين , وما الغاية من ذلك ؟

2-لماذا تردد الإمام الحسن عليه السلام من أبيه حتى يتوارى عنه ؟

3-ما الغاية التي قصدها الإمام الحسن عليه السلام من الحديث الشريف ؟

أجوبة

أما عن السؤال الأول .

قد يكون من أهم ما بينه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أمام المسلمين أن الإمام الحسن عليه السلام هو الولي الشرعي من بعده الذي يؤدي دوره وينفع المسلمين بحيث حتى بلاغته وفصاحته في الكلام لا يمكن أن يصيبها نقص أو خلل .ولذا حث ولده على إظهار ذلك من كلامه .

أما الغاية التي قصدها من ذلك هو أن قريش كانت تحاول أن تطعن بالبيت العلوي وتثير الارتياب فيهم فحاول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أن يزيل ذلك ولا

ص: 91


1- الإختصاص – المفيد –ص 238

يبقى له أثر.بل عرض أوضح صورة يمكن أن تظهر أمام هؤلاء كي لا يتردد فيهم الريب .

الرد عن السؤال الثاني

إن الإمام الحسن عليه السلام يهاب والده عليه السلام لمقام الإمامة وحق الأبوة .

وقد يكون ذلك الذي دعاه إلى ذلك .

وقد يكون لإمام الحسن عليه السلام مرمى آخر ألا وهو أن يظهر لقريش أن فصاحته التي يتكلم بها جاءت من البيت النبوي الذي تعلم منه أمير المؤمنين عليه السلام وولده وبذلك فلم يأخذ منهم شيئا ,وحينذاك فلا فضل لهم عليه ,وإنما فضله على قريش لبيانه وعظمة كلامه .

أما الرد عن السؤال الثالث .

أما المقصود من الحديث الشريف فإنه قد يكون قصد الإمام الحسن عليه السلام أن العلم والدين الصحيح لابد أن يؤخذ من معدنه , وان كل ذلك مرجعه إلى النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فهذا أمر لا يمكن تجاهله ,وحينذاك فإن الوسيلة الوحيدة التي لا يمكن اجتيازها هو أن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قد أخذ علومه وتقواه ودينه من النبي الأكرم بنحوٍ لا يمكن أن يأخذه غيره أو يحفظ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكافة حدوده إلا أمير المؤمنين عليه السلام .

ولذلك فلا بد من الرجوع إليه في كل صغيرة وكبيرة سواء كانت شرعية أم أخلاقية أم غيرها

وقد يكون قصد الإمام الحسن عليه السلام أن الامتداد للنبوة هي الإمامة فمن لم يتمسك بذلك وخرج عنه فلا يمكن أن ينجو من الفتن التي تطرأ عليه في الدنيا ؟

ص: 92

ولذلك فلابد للمسلمين أن يهتدوا إلى ذلك الطريق ويتمسكوا به كي يفلحوا في لدنيا الآخرة .

الطعن

ورفع أمير المؤمنين الغشاوة عن أبصار المسلمين الذين يطعنون فيه تارة في شجاعته وأخرى في تقواه وثالثة في علمه .

وحاول جهده أن يظهر ذلك بكافة أنواع الصور.

فتارة يقول:يا معشر الناس سلوني قبل أن تفقدوني هذا سفط العلم هذا لعاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ,هذا ما زقني رسول الله فاسألوني فان عندي علم الأولين والآخرين ,

أما والله لو ثنيت لي وسادة و جلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة :صدق علي ما كذب ,لقد أفتاكم بما انزل الله فيّ ,

وأفتيت أهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الإنجيل فيقول :صدق علي ما كذب, لقد أفتاكم بما انزل الله فيّ ,

وأفتيت أهل القرآن بقرانهم حتى ينطق القرآن فيقول : صدق عليّ ما كذب لقد أفتاكم بما انزل الله فيّ , وانتم تتلون الكتاب ليلاً ونهاراً فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه ,ولولا آية في كتاب الله عزّ وجلّ لأخبرتكم بما هو كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة وهي آية (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ).(1)

ص: 93


1- الإختصاص – المفيد –ص 235

ومرة ثانية يقول أمير المؤمنين عليه السلام :ما وجدت من قتال القوم بدّاً أو الكفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الدين والإيمان –يعني بذلك كل من حاربه من الكفار وغيرهم .(1)

ومرة ثالثة كان يقول جابر عن أمير المؤمنين عليه السلام :ما رأيت في الدنيا ازهد من علي بن أبي طالب عليه السلام .(2)

لكن الذين لم يعرفوا أهل البيت حاولوا أن يرسلوا سهامهم على ولده الإمام الحسن عليه السلام من خلال الطعن في لغته .إلا أن ذلك لم يترك أمير المؤمنين إلا واظهر بلاغة ولده أمام المسلمين .

وهذه صورة من ذلك.

فقد روي إن الناس على عهد أمير المؤمنين عليه السلام تحدثوا بان الحسن لم تظهر منه خطابة ولا علم فقال له أمير المؤمنين عليه السلام وقد بلغه ذلك : يا بني إن الناس قد تحدثوا فيك بما أنت على خلافه فأعل المنبر واخطب الناس وبين عن نفسك حتى يسمعوك ,

فصعد عليه السلام :فحد الله وأثنى عليه وذكرهم بأيام الله.

ثم قال : (يا معاشر الناس إن أمير المؤمنين باب حطة من دخله كان آمناً ,وسفينة نوح من لحق به نجا ,ومن تخلف عنه غرق وهلك , فلا يبعد الله إلا من ظلم ثم نزل, فقام أمير المؤمنين عليه السلام وقبّل بين عينيه.

ثم قال :ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم .(3)

ص: 94


1- المناقب – الخوارزمي –ص162- في بيان محاربة الكفار
2- المصدرنفسه –ص120 –في بيان زهده في الدنيا وقناعته منها باليسير
3- إثبات الوصية –المسعودي –ص172

سؤال لابد منه .

لماذا استشهد الإمام الحسن عليه السلام بباب حطة وسفينة نوح عليه السلام ؟

وما الغاية من ذلك؟

رد ذلك .

قد يكون استشهاد الإمام الحسن عليه السلام من باب حطة إن التمسك بأمير المؤمنين عليه السلام هو التمسك بالعروة الوثقى التي أمر الله تعالى إتباعها وحينئذ فلا يخاف ظلماً ولا هضماً .

أما سفينة نوح فان القرآن الكريم قد بين الغاية من تلك السفينة التي كانت السبب للنجاة من الهلاك المبرم على قوم نوح سوى من ركبها

قال تعالى {وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون , وأصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون , ويصنع الفلك وكلما مرّ عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منّا فإنّا نسخر منكم كما تسخرون ,فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه و يحل عليه عذاب مقيم , حتى إذا جاء أمرنا و فار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين و اهلك إلا من سبق عليه القول و من آمن و ما امن معه إلا قليل , و قال اركبوا فيها بسم الله مجراها و مرساها إن ربي لغفور رحيم , و هي تجرى بهم في موج كالجبال و نادى نوح ابنه و كان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن من الكافرين , قال سأوى إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم و حال بينهما الموج فكان من المغرقين , و قيل يا أرض ابلعي ماءك و يا سماء اقلعي و غيض الماء و قضي الأمر و استوت على الجودي و قيل بعداً للقوم الظالمين , و نادى نوح ربه إن ابني من أهلي و إن وعدك الحق و أنت احكم الحاكمين } .

ص: 95

لأجل ذلك فان من اعتقد بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام وتمسك به وسار على نهجه فقد نجا من العذاب الذي ينتظره عاجلا أم آجلاً.

بل ومن تركه كان ظالماً له خصوصاً بعد ما أقرّ بالإيمان وبتعاليمه ,ومن تعاليمه هو أن لا يتولى الظالمين وتأكيداً لقوله تعالى (لا ينال عهدي الظالمين )

ومن كل ذلك يظهر أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الفيصل بين الحق والباطل ولذا قال عنه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم :علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ).(1)

خطبة الإمام الحسن عليه السلام بعد البيعة له

من أهم ما خطب به الإمام الحسن عليه السلام بعد استشهد أبيه أمير لمؤمنين عليه السلام وحث على طاعته لأنها واجبة على الأمة التي تؤمن بالكتاب العزيز وبالميثاق الذي توثقوا به .

فقد عرض أبو محمد الزكي عليه السلام الأدلة القطعة التي لا يمكن للمسلمين أن ينكروها .

قال هشام بن حسان سمعت أبا محمد الحسن بن علي عليهما السلام يخطب الناس بعد البيعة له بالأمر ,

فقال :نحن حزب الله الغالبون , و عترة رسوله الأقربون ,وأهل بيته الطيبون الطاهرون ,وأحد الثقلين اللذين خلّفهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أمته ,والتالي كتاب الله فيه تفصيل كل شيء ,لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه

ص: 96


1- المناقب – الخوارزمي –ص165-في بيان قتال اهل الجمل وهم الناكثون

,فالمعول علينا في تفسيره لا نتظني تأويله بل نتيقن حقائقه ,فأطيعونا فإن طاعتنا مفروضة ,إذ كانت بطاعة الله عزّ وجلّ ورسوله مقرونة,

قال الله عزّ وجلّ: (يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول)

(ولو ردوه إلى الرسول إلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم )

أحذركم الإصغاء لهتاف الشيطان بكم فإنه لكم عدوُ مبين , فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم:لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون )

فتلقون إلى الرماح وزراً ,وإلى السيوف جزراً ,وللعمد حطماً ,وللسهام غرضاً ,

ثم (لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ).(1)

أسئلة

1-لماذا الأمام الحسن عليه السلام بأدلة يعرفها المسلمون؟

2-و لماذا استخدم الإمام أبو محمد عليه السلام لغة الإقرار من المسلمين ؟

3-وما الغاية التي قصدها الإمام عليه السلام من التحذير ؟

4-وهل هناك دواعي إلى أن يعرض لهم الإمام الحسن عليه السلام عن من يتخلى عن إمامه وما يكون مصيره؟

ص: 97


1- ألأمالي – المفيد –ص348-350-المجلس الحادي والأربعون –ح4

رد لابد منه .

أولاً :أن المسلمين رغم كونهم يعرفون حق أهل البيت والإمام الحسن عليه السلام كان لابد أن يبين لهم حقيقة قد تكون آثرت طي النسيان وهذه الحقيقة هي أن الإمام وأبيه عليهما وأخاه عليه السلام هم من حزب الله الذي قال عنهم تعالى (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها ألأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون )

والأمر الآخر: إن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قد أوصى بأهل البيت في عدة مواطن والإمام الحسن عليه السلام أراد أن يؤكد على ذلك لئلا يكونوا من الغافلين .

فقد ذكر زيد ابن أرقم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين :أنا سلم لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم .(1)

وذكر الحصين بن عبد الله بن ضمرة عن أبيه عن جده قال :لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع أمر بشجرات فقممن بوادي خُم وهجر ,فخطب الناس.

فقال: (أما بعد أيها الناس فإني مقبوض , أوشك أن ادعى فأجيب ,فما انتم قائلون ؟ قالوا :نشهد أنك قد بلغت ونصحت وأديت .

ص: 98


1- المناقب –الخوارزمي –ص-145

قال :إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله و عترتي أهل بيتي ,ألا وأنهما لن يفترقا حتى يردا علّي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ) .(1)

والأمر الآخر بيّن الإمام الحسن عليه السلام ا ن أهل البيت ليس الأقربون من عشيرته ولا زوجاته وإنما خصوص من نزلت بحقهم الآية الكريمة قوله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)

وهو إشارة إلى ما ذكرهم بحديث أمير المؤمنين عليه السلام حينما قال لأبي الدرداء وأبي هريرة ومن حوله :يا أيها الناس أتعلمون أن الله تبارك وتعالى أنزل في كتابه :(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) فجمعني رسول الله وفاطمة والحسن والحسين في كساء ,

ثم قال (اللهم هؤلاء أحبتي وعترتي وثقلي وأهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)

فقالت أم سلمة : وأنا ,

فقال صلى الله عليه وآله وسلم لها :وأنت إلى خير ,إنما أنزلت فيّ وفي أخي علي وفي ابنتي فاطمة وفي ابني الحسن والحسين وفي تسعة من ولد الحسين خاصة , ليس فيها أحد غيرنا .

فقام جلّ الناس فقالوا :نشهد أن أم سَلمة حدثتنا بذلك ,فسألنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحدثنا كما حدثتنا أم سلمة .(2)

ص: 99


1- كتاب الولاية –احمد بن محمد بن عقدة –ص227-227
2- المصدر نفسه –ص200-201

أما ما ذكره الإمام الحسن عليه السلام من قوله (والتالي كتاب الله فيه تفصيل كل شيء, لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه , فالمعول علينا في تفسيره لا نتظنى تأويله بل نتيقن حقائقه )

فان هنالك من المسلمين من تخلى عن ذلك واستند إلى كتابه العزيز ولكن لم يعرف ناسخه من منسوخه ولا عامه من خاصه , ولا محكمه من متشابهه .

فقد اختلطت عليه الآيات وبات يظهر شيئا لا يعلم موقعه فيعرف ظاهره ولا يعرف تأويله .

وهذا من الخطر الذي وقع فيه المسلمين وحينذاك فقد رجعوا إلى من( قال سلوني قبل أن تفقدوني فو الذي فلق الحبة وبرء النسمة لو سألتموني عن أية آية في ليل أنزلت أو في النهار أنزلت مكيها ومدنيها , سفريها

وحضريها , ناسخها و منسوخها , محكمها ومتشابهها , وتأويلها وتنزيلها لأخبرتكم به) (1).

واهم من ذلك نبه المسلمون إلى طاعته هي طاعة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وهي طاعة الله تعالى وسلوك الطريق المستقيم .

الأمر الثاني

أما لغة الإقرار لان المسلمين لما بايعوا

الإمام الحسن عليه السلام فينبغي أن يقروا بكل ما يفعله وما يقوله ولا يعترضوا على أمر من أموره فهي تخالف إقرارهم ولأجل ذلك كان لابد من ذلك ولئلا ينكروا ذلك بعد ذلك .

ص: 100


1- الإختصاص – المفيد –ص236

الأمر الثالث

أما الغاية التي قصد منها التحذير بالآيات الكريمة فهي أن الأمة الإسلامية أمام عدو لابد من مقارعته فينبغي أن يضعوا ذلك نصب أعينهم ولا يحاولوا أن يتهاونوا من ذلك , لأنه يحاول العدو أن يسلك كافة الوسائل المتاحة لديه سواء كان ذلك بالترغيب أم بالترهيب

ولعل لغة الأموال أهم وسيلة اتخذها عدو الإمام الحسن عليه السلام كي يكسب من أتباع الإمام الحسن ويحاول الفرقة بين صفوف جيش الإمام .

ولذا كان الإمام أبو محمد عليه السلام يؤكد على تلك الحقيقة .لان للشيطان مسارب سوف يتخلى عنهم حينما يوقعهم في فخه وحينذاك لا ندم بعد عذر .

الأمر الرابع

هنالك عدة دواعي عرضها الإمام الحسن عليه السلام أمام أنصاره لمن يتخلى عنه وأهمها : أن عدالته لا يمكن أن تقارع الفساد في الأرض ,ولذا كان من الواجب أن يبادر إلى بيان أن العدل في الأرض إذا استمر فإنهم سوف يعيشون عيشة راضية .

أما إذا أنكروا ذلك فان الظالم سوف يقرعهم بسيفه ويحاول أن يقمع كل من يطالب بالعدل والإحسان وحينذاك لا محالة من أن يشملهم العذاب الأليم والقرآن الكريم عرض هذه الصورة كي يتدبرها المسلمون لئلا يشملهم الظلم والعذاب من جراء أعمالهم .

قال تعالى (كذبت ثمود بطغواها , إذ أنبعث أشقاها ,فقال رسول الله وسقياها, فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ,ولا يخاف عقباها )

والإمام الحسن عليه السلام عرض لهم تلك الصورة لئلا يكونوا من النادمين على فعلهم .

ص: 101

خطبة الإمام الحسن عليه السلام بعد تخلف أصحابه

ومن بلاغة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام التي لم ينكرها احد وما برز فيها من نقض للبيعة بعدما حذرهم القران الكريم بقوله تعالى (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار )

قام الإمام الحسن عليه السلام خطيباً وأثنى عليه وذكرهم بأيام الله.

ثم قال :( يا أيها الناس قد غررتموني ما غررتم من كان قبلي فلا جزاكم الله عن رسول الله وأهل بيته خيراً , مع أي إمام تقاتلون بعدي مع الظالم الكافر الزنديق الذي لم يؤمن بالله وبرسوله قط ولا أظهر الإسلام ومن تقدمه من الشجرة الملعونة في كتاب الله بني أمية إلا خوفاً من سيوف الحق ولو لم يبق منهم إلا عجوز د رداء لبغت لدين الله الغوائل )

سؤال يطرح نفسه

لماذا كانت لغة الإمام الحسن عليه السلام لغة القسوة والتعنيف على المسلمين ؟

ولماذا لم يستخدم معهم اللين والموعظة الحسنة ؟

ولماذا تنبأ الإمام عليه السلام بأنهم سوف يتخلون عنه ويلوح الغدر على محياهم ؟

رد ذلك

1-إن من أهم ما يستخدمه القائد الشجاع هي لغة الحزم و القوة كي يبث في صدور المسلمين الاندفاع و الحث على الجهاد , بحيث لا يتوانوا في ذلك لئلا يدب الضعف

ص: 102

في جسد الإسلام و يصبحوا أذلاء تتقاذفهم الفتن و ينال منهم الظلم فيكونوا تحت رحمة الظالم الذي لا يرحم عباده .

و لذا كان على الإمام الحسن (عليه السلام ) أن يستخدم هذا الدواء الناجع كي لا يعذلوه أو يتهمه متهم بسوء إدارة الدولة الإسلامية.

2-إن استخدام اللين و الموعظة الحسنة في موضع الجدل و كسب الضعفاء إلى صفوفهم

أما إذا كانت الغاية هو بث روح الجهاد و الدفاع عن الدين الإسلامي فلابد من استخدام كافة وسائل الحماس التي من شأنها أن تكون سببا في الاستنفار لمقارعة الظالمين .

3-لعل الوهم أن يقال أن الإمام عليه السلام قد تنبأ بسوء عاقبة أتباعه الذين عاهدوا على الجهاد والتضحية في سبيل الدين بعد ما قالوا له:( يا بن رسول الله نحن السامعون المطيعون لك)(1).

كما قد يتهم الإمام عليه السلام بإصدار الأحكام قبل وقوعها حينما حكم على أتباعه بعدم الوفاء له .

قال :( كذبتم فو الله ما وفيتم لمن كان خيراً مني فكيف تفون لي وكيف أطمئن إليكم إن كنتم صادقين فموعدنا بيني وبينكم المعسكر في المدائن )(2)

هذه الأوهام لم تكن إلا حقيقة قد ذكرها الإمام عليه السلام كي ينبه الثابتين معه أن هنالك من يتخلف عنه وهذا لاشك فيك وليس الغاية بكثرة الأتباع .

فقد عاش الإمام الحسن عليه السلام مع والده أمير المؤمنين عليه السلام في ساحات القتال وحث أتباعه على الجهاد حينما (قال :ما با لكم أمخرسون انتم ؟! فقال قوم منهم : يا أمير المؤمنين إن سرت سرنا معك .

ص: 103


1- إثبات الوصية – المسعودي –ص-168
2- المصدر نفسه –ص168

فقال عليه السلام :ما بالكم ! لا سددتم لرشد ! ولا هديتم لقصد ! أفي مثل هذا ينبغي لي أن اخرج ؟ وإنما يخرج في مثل هذا رجل ممن أرضاه من شجعانكم وذوي بأسكم , ولا ينبغي لي أن ادع الجند والمصر وبيت المال وجباية الأرض ,والقضاء بين المسلمين , والنظر في حقوق حق المطالبين , ثم اخرج في كتيبة اتبع أخرى ,أتقلقل تقلقل القدح في الجفير الفارغ , وإنما أنا قطب الرحى ,تدور عليّ وأنا بمكاني , فاذا فارقته استحار مدارها ,واضطرب ثفا لها . هذا لعمر الله الرأي السوء .والله لولا رجائي الشهادة عند لقاء العدو-ولو قد حمّ لي لقاؤه –لقربت ركابي ثم شخصت عنكم فلا أطلبكم ما أختلف جنوب وشمال ! طعّانين عيّابين , حيّادين روّاغين . لا غناء في كثرة عددكم مع قلة اجتماع قلوبكم . لقد حملتكم على الطريق الواضح التي لا يهلك عليها إلا هالك ,من استقام فإلى الجنة ,ومن زل فإلى النار! (1))

فإن دلائل الغدر من المقاتلين من عهد أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام ) و استمر حتى عهده لكن ذلك لم يكن يعتقد به كل من الثابتين على عهده مع الإمام الحسن (عليه السلام ) و قد صدق ذلك .

غدر بعد عذر

لم يتنبأ الإمام الحسن فقط بل بيّن لهم حقيقة ما قاله و سعى جاهداً إلى ذلك فقد قام أبو محمد (عليه السلام ) خطيباً فحمد الله و أثنى عليه

(ثم قال : يا أيها الناس هذا فلان الكندي قدمته بين يدي الله لمحاربة عدو الله وابن آكلة الأكباد فبعث إليه بمال ووعده ومنّاه حطام الدنيا ومتاعها فباع دينه وآخرته بدنيا زائلة غير باقية وقد توجه إليه ,وقد أخبرتكم مرة أخرى أنه لا وفاء لكم ولا

ص: 104


1- نهج البلاغة –من كلامه عليه السلام –وقد جمع الناس وحضهم على الجهاد –ص201-202-خطبة رقم 119

ذمة ولاخير عندكم وأنكم عبيد الدنيا ,واني موجه مكانه رجلاً وإني لا علم انه يفعل فعل صاحبه غير مفكر في عاقبة أمره ومرجعه ولا مراقب لله في دينه )(1)

توضيح

إن الإمام الحسن عليه السلام قد أوضح بشيء لا إرتياب فيه إن كل من اختاره سوف يولي الدبر ويغدر بإمامه لمفروض طاعته ويتولى الظالم .

وان أعظم كلمة بينها عليه السلام قوله لهم (لا وفاء لكم ولا ذمة ولا خير عندكم وأنكم عبيد الدنيا)

فان هذه الأمور لها دلالات لا ريب فيها فان هؤلاء لما بايعوا إمامهم على السمع والطاعة ينبغي أن يفوا له بذلك الوعد.

ومن اخطر ما تعرض له أصحابه عليه السلام أن دينهم أصبح سلعة رائجة لمن يحاول شرائها ولذلك باعوه بأبخس الأثمان محاولة منهم في الحفاظ على دنياهم ولم يعلموا أن الظالمين لا عهد لهم .

كما أن من أنكى الأشياء هو خروجهم من ذمة الإمامة الإلهية إلى ذمة من لا يعترف بذلك بل لا يعبأ بذلك سوى التسلط على رقاب المسلمين بعد ما بذل الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام جهدهم في سبيل سلوك الطريق الواضح ومنه الصدق والأمانة

والأبشع من ذلك هو عبوديتهم للدنيا فان ذلك مدعاة إلى إنكار الدين الإسلامي من حيث يشعرون أو لا يشعرون

ولعل من أهم تعاليمه الحفاظ على مبادئ الدين والتمسك به

فكيف تجتمع تلك لمبادئ مع عبوديتهم للدنيا؟

ص: 105


1- إثبات الوصية –المسعودي-ص-168

هذا ما استنكره الإمام الحسن عليه السلام

من هؤلاء !

غدر بعد غدر

الإمام أبو محمد الزكي عليه السلام لم يكتف بخطبه العظيمة أن يشرح ما وصل إليه أصحابه من حالة يتأسى لها ويحزن لها كل إنسان فكيف بمن يحمل على كاهله هم المسلمين وذلك ما لم يخفه على المسلمين

فقد قام الإمام أبو محمد عليه السلام خطيباً في قومه ,فحمد الله وأثنى عليه.

ثم قال :( يا عجباً من قوم لا حياء لهم ولا دين من غدرة بعد غدرة , أما والله لو وجدت أعواناً لقمت بهذا الأمر أي قيام , ونهضت به أي نهوض , و أيم الله لارأيتم فرجاً ولا عدلاً أبداً مع ابن آكلة الأكباد وبني أمية وليسومنكم سوء العذاب حتى تتمنوا أن يليكم عبد حبشي مجدع ,فأف لكم وبعداً

وترحاً يا عبيد الدنيا وموالي الحطام )(1)

بيان

ليس من الهين أن يقرع الإمام الحسن عليه السلام أسماع أصحابه بألفاظ تنم عن اللوعة والحزن ,وآثار ذلك بدت على الساحة السياسية .

ولعل من أهم ما بينه الإمام عليه السلام من امتياز بعضهم بالنفاق بحيث يندبهم غلى الجهاد ويتفاعلون معه ومن بعد ذلك يتنكروا لذلك الأمر

كما ليس من الدين الذي جاء به الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الغدر مرة بعد أخرى قال تعالى (إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون , الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون )

ص: 106


1- إثبات الوصية – المسعودي –ص 169

وبعد ذلك . فقد أكد الإمام الزكي عليه السلام على أهمية قتال البغاة و العصاة مع توفر الأشداء من أصحابه الذين يكونوا طوع إرادته ورهن إشارته ,لكن ذلك لم يوجد مادام فيهم الغدر والخوف وحب الدنيا والركون إلى الدعة التي توجب الرضوخ إلى العصاة والتذمر من قتال البغاة ,فبشرهم الإمام عليه السلام بقسوة قادم إليهم وظلم لا انفكاك منه وسوء العاقبة نتيجة أفعالهم .

وهذا تصديق لما قاله سبحانه وتعالى (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) وقال تعالى (وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين )

ومفاد كلام الإمام الحسن عليه السلام الذي يمثل أعظم موعظة لهذه الأمة التي لم تسمع لكلام إمامها ,وحاولت أن تتخلى عن مبادئها ,وباتت أمام الانهيار الذي لا مفر منه .

وحينذاك أجاب الإمام عليه السلام أمته بكلامه الذي يعرض لهم صورتهم وصورة المستقبل المحتوم فسوف تواجه أمته ويترأس عليها ظالماً بعدما كان عليها أفضل وأعظم شخصية نبوية أنقذها من الانحراف الذي بات يهددها

جاءت تلك التحذيرات نتيجة استمرارهم على نهجهم وإعراضهم عن أوامر إمامهم

وهذا بعينه ما وجهه القرآن الكريم لكل المسلمين في كل زمان ومكان ,لتكن على ذكر من أمرها قال تعالى (له معقبات من بين ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مردّ له وما لهم من دونه من والٍ )

فان الآية الكريمة أوضحت أن الذي يستمر على نهجه في الانحراف لا يمكن تغييره إلى الاستقامة مادام نفسه تأبى ذلك

وهو بعينه ما وجهه الإمام الحسن عليه السلام بخطابه إلى أمته التي رفضت طريق الاستقامة إلى الانحراف , ولات حين مناص

ص: 107

خطبة الإمام عليه السلام للمسير إلى القتال .

وخطب الإمام الحسن بن علي عليهما السلام للحث على الجهاد وبيان أهميته كي يفوزوا بالثواب العظيم الذي وعد به تعالى عباده

فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :أما بعد , فإن الله كتب الجهاد على خلقه ,وسماه كرهاً ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين (واصبروا إن الله مع الصابرين ) فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون , إلا بالصبر على ما تكرهون , إنه بلغني أن معاوية بلغه أنا كنا أزمعنا على المسير إليه , فتحرك لذلك ,فأخرجوا –رحمكم الله –إلى معسكركم بالنخيلة حتى ننظر وتنظروا ونرى وتروا)(1)

توضيح

إن الإمام الحسن عليه السلام وضح أن القتال وإن كان فيه فناء لجسد الإنسان من الحياة إلا ان فيه الشهادة والسعادة والخلود في الآخرة . ولا ينال ذلك الخلود إلا بالصبر فهنالك أجر الصابرين الذين وعدهم تعالى (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )

ومن أحب ذلك فلابد من أن يبذل حياته كي ينال جزاءه من دون حساب حفاظاً على دينه من الانحراف كما أن مآل الإنسان إلى الموت والشهادة في عز وإباء وإقامة للدين أولى وأفضل من الوفاة دون جهاد بعد حساب يسير أو عسير وبعدما يكون قد أوفى بما عاهد عليه الله تعالى من الوفاء بدينه وعدم انحرافه في دنياه

وهذا ما يمكن أن يرمي إليه الإمام عليه السلام كي يكونوا على بينة من أمرهم .

ص: 108


1- مقاتل الطالبيين – الاصفهاني –ص69

الفصل السابع: احتجاج الإمام الحسن عليه السلام

ص: 109

إن أهل البيت (عليه السلام) من الذين طهرهم القرآن الكريم من الرجس و نزههم عن كل رذيلة و رفع ذكرهم على العالمين بحيث لا يدنو إليهم احد في الفصاحة والبلاغة , و هذا ما شهد به القاصي و الداني , و العدو و الصديق .

و من أعمدة هؤلاء كان للإمام الحسن (عليه السلام) ما شهدت به ساحة النزال في رد كل اعتداء أثيم عليه , و إنكار حقه و حق أهل البيت (عليهم السلام ) في قيادة الأمة الإسلامية .

و لقد تصدى الإمام أبو محمد (عليه السلام) بكل جدارة إلى إثبات ذلك الحق و بإقرار من كل ذي لب .

وهذه صورة من الذين اعتدوا على الإمام الحسن (عليه السلام )

فقد روي عن الشعبي و أبي مخنف و يزيد بن أبي حبيب المصري أنهم قالوا :لم يكن في الإسلام يوم في مشاجرة قوم اجتمعوا في محفل ، أكثر ضجيجاً ولا أعلى كلاماً ولا اشد مبالغة في القول ,من يوم اجتمع فيه عند معاوية بن أبي سفيان , عمرو بن عثمان , عمرو بن العاص , و عتبة بن أبي سفيان ,و الوليد ابن عقبة بن أبي معيط والمغيرة بن شعبة ,و قد تواطؤا على أمر واحد .

فقال عمرو بن العاص لمعاوية : ألا تبعث إلى الحسن بن علي فتحضره ,فقد أحيى سنة أبيه , و خفقت النعال خلفه , أمر فأطيع , و قال فصدق , و هذان يرفعان به

إلى ما هو أعظم منهما,فلو بعثت إليه فقصرنا به وبأبيه ,وسببناه وسببنا أباه ,وصغرنا بقدره وقدر أبيه ,وقعدنا لذلك حتى صدق لك فيه ,

فقال لهم معاوية :إني أخاف أن يقلدكم قلايد يبقى عليكم عارها ,حتى يدخلكم قبوركم , والله ما رأيته إلا كرهت جنابه , وهبت عتابه واني أن بعثت إليه لأنصفه منكم .

قال عمر بن العاص :أتخاف أن يتسامى باطله على حقنا , ومرضه على صحتنا

ص: 110

قال :لا

قال :فابعث إذا إليه

قال عتبة :هذا رأي لا أعرفه ,والله ما تستطيعون أن تلقوه بأكثر ولا أعظم مما في أنفسكم عليه , ولا يلقاكم بأعظم مما في نفسه عليكم , وانه لأهل بيت خصم جدل , فبعثوا إلى الحسن فلما أتاه الرسول قال له : يدعوك معاوية .

قال :ومن عنده ؟

قال الرسول :عنده فلان وفلان , وسمى كلا منهم باسمه .

فقال الحسن عليه السلام : ما لهم خر عليهم السقف من فوقهم , وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون .

ثم قال :يا جارية أبلغيني ثيابي .

ثم قال :اللهم إني أدرأ بك في نحورهم ,وأعوذ بك من شرورهم ,وأستعين بك عليهم, فاكفنيهم بما شئت , وأنى شئت ,من حولك وقوتك , يا ارحم الراحمين .

وقال للرسول :هذا كلام الفرج, فلما أتى معاوية رحب به , وحياه وصافحه .

فقال الحسن عليه السلام : إن الذي حييت به سلامة ,والمصافحة أمن .

فقال معاوية :أجل إن هؤلاء بعثوا إليك وعصوني ليقروك :إن عثمان قتل مظلوماً ,وان أباك قتله ,فاسمع منهم , ثم أجبهم بمثل ما يكلمونك ,فلا يمنعك مكاني من جوابهم .

فقال الحسن : فسبحان الله البيت بيتك والأذن فيه إليك ! والله لئن أجبتهم إلى ما أرادوا إني لاستحي لك من الفحش , وان كانوا غلبوك على ما تريد , إني لاستحي لك من الضعف , فبأيهما تقر , ومن أيهما تعتذر ,

ص: 111

وأما أني لو علمت بمكاني واجتماعهم, لجئت بعدتهم من بني هاشم مع أني مع وحدتي هم أوحش مني من جمعهم ,فان الله عزّ و جلّ لوليي اليوم وفيما بعد اليوم ,فمرهم فليقولوا فاسمع ,ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

فتكلم عمرو بن عثمان بن عفان فقال :ما سمعت كاليوم إن بقي من بني عبد المطلب على وجه الأرض من احد بعد قتل الخليفة عثمان بن عفان ,وكان ابن أختهم ,والفاضل في الإسلام منزلة , والخاص برسول الله أثرة, فبئس كرامة الله حتى سفكوا دمه اعتداء , وطلباً للفتنة ,وحسداً ,و نفاسة , وطلب ما ليسوا باهلين لذلك ,مع سوابقه ومنزله من الله ,ومن رسوله, ومن الإسلام , فياذلاه أن يكون حسن وساير بني عبد المطلب قتلة عثمان ,أحياء يمشون على مناكب الأرض وعثمان بدمه مضرج , مع أن لنا فيكم تسعة عشر دماً بقتلى بني أمية ببدر .

ثم تكلم عمرو بن العاص : فحمد الله وأثنى عليه ,

ثم قال : أي ابن أبي تراب بعثنا إليك لنقررك أن أباك سم أبا بكر الصديق , واشترك في قتل عمر الفاروق وقتل عثمان ذي النورين مظلوماً , وادعى ما ليس له حق ,ووقع فيه ,وذكر الفتنة ,وعيره بشأنها ؟

ثم قال :إنكم يا بني عبد المطلب لم يكن الله ليطيعكم الملك فتركبون فيه ما لا يحل لكم,

ثم أنت يا حسن تحدث نفسك بأنك كائن أمير المؤمنين وليس عندك عقل ذلك, ولا رأيه ,وكيف وقد سلبته ,وتركت أحمق في قريش , وذلك لسوء عمل أبيك , وإنما دعوناك لنسبك وأباك .

ثم انك لا تستطيع أن تعيب علينا ,ولا أن تكذبنا به , فان كنت ترى إنا كذبناك في شيء ,وتقولنا عليك بالباطل , وادعينا عليك خلاف الحق فتكلم , وإلا فاعلم انك وأباك من شر خلق الله , فأما أبوك فقد كفانا الله قتله وتفرد به ,

ص: 112

وأما أنت فانك في أيدينا نتخير فيك , والله أن لو قتلناك ما كان في قتلك إثم عند الله ولا عيب عند الناس .

ثم تكلم عتبة بن أبي سفيان ,فكان أول ما ابتدأ به أن قال :

يا حسن أن أباك كان شر قريش اقطعه لأرحامها , واسفكه لدمائها وانك لمن قتلة عثمان , وان في الحق أن نقتلك به , وان عليك القود في كتاب الله عزّ وجلّ , وإنا قاتلوك به ,

وأما أبوك فقد تفرد الله بقتله فكفانا أمره, وأما رجاؤك الخلافة فلست فيها ,لا في قدحة زندك ,ولا في رجحة ميزانك .

ثم تكلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط بنحو من كلام أصحابه فقال : يا معشر بني هاشم كنتم أول من دب بعيب عثمان وجمع الناس عليه ,حتى قتلتموه حرصاً على الملك ، وقطيعة للرحم ، واستهلاك الأمة ، وسفك دمائها ، حرصا على الملك ، وطلبا للدنيا الخبيثة ، وحبا لها ، وكان عثمان خالكم ، فنعم الخال كان لكم ، وكان صهركم ، فكان نعم الصهر لكم ، قد كنتم أول من حسده وطعن عليه ، ثم وليتم قتله ، فكيف رأيتم صنع الله بكم .

ثم تكلم المغيرة بن شعبة : فكان كلامه وقوله كله وقوعا في علي عليه السلام.

ثم قال : يا حسن إن عثمان قتل مظلوما فلن لم يكن لأبيك في دلك عذر بريء ، ولا اعتذر مذنب ، غير أنا يا حسن قد ظننا لأبيك في ضمه قتلة عثمان ، وإيوائه لهم ، وذبه عنهم ، أنه بقتله راض ، وكان والله طويل السيف واللسان ، يقتل الحي ويعيب الميت ، وبنو أمية خير لبني هاشم من بني هاشم لبني أمية ، ومعاوية خير لك يا حسن منك لمعاوية ، وقد كان أبوك ناصب رسول الله صلى الله عليه وآله في حياته وأجلب عليه قبل موته ، وأراد قتله ، فعلم ذلك من أمره رسول الله صلى الله عليه وآله ثم كره أن يبايع أبا بكر حتى أتي به قودا ، ثم دس عليه فسقاه سما فقتله ،

ص: 113

ثم نازع عمر حتى هم أن يضرب رقبته ، فعمد في قتله ، ثم طعن على عثمان حتى قتله ، كل هؤلاء قد شرك في دمهم فأي منزلة له من الله يا حسن : وقد جعل الله السلطان لولي المقتول في كتابه المنزل فمعاوية ولي المقتول بغير حق ، فكان من الحق لو قتلناك وأخاك ، والله ما دم علي بأخطر من دم عثمان ، وما كان الله ليجمع فيكم يا بني عبد المطلب الملك والنبوة )ثم سكت(1).

وقفة لابد منها .

بعد ما تقدم من كلام هؤلاء الذين أن يطعنوا بالإمام الحسن بن علي عليهما السلام وبابيه بعدة سهام ,ولعل من أهمها عدم دفاعهم عن عثمان بن عفان واتهامهم أن

أبا بكر هو الأولى بالحكم من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ولذا حاول هؤلاء إثبات ذلك .

لكن كل ذلك لم يف من بيان حال هذه الشخصيات التي حاولت أن تنال من هذا الإمام العظيم وطعنه بعدة طعنات .

فكان أولهم معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية:

أبوه: صخر بن حرب هو الذي قاد قريشاً في حروبها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ,وهو رئيس بني عبد شمس بعد قتل عتبة بن ربيعة ببدر ذاك صاحب العير ,وهذا صاحب النفير ,و بهما يضرب المثل فيقال للخامل (لا في العير ولا في النفير)

أمه :هند بنت عتبة,كانت يذكر في مكة بفجور وعهر .

ص: 114


1- الاحتجاج –احمد بن علي الطبرسي –ج1-ص401-405

قال الزمخشري في ربيع الأبرار: كان معاوية يعزى إلى أربعة إلى مسافر بن أبي عمرو, والى عمار بن الوليد بن المغيرة ,والى العباس بن عبد المطلب ,والى الصباح مغن كان لعمارة بن الوليد .

قال :وقد كان أبو سفيان دميماً , قصيراً, وكان الصباح عسيفا لأبي سفيان وشابا وسيماً ,فدعته هند إلى نفسها فغشيها .(1)

قال الذهبي :قيل إنه اسلم -معاوية – قبل أبيه وقت عمرة القضاء وبقي يخاف من اللحوق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم من أبيه ولكن ما ظهر إسلامه إلا يوم الفتح

خلف معاوية خلق كثير يحبونه ويغالون فيه ويفضلونه ,إما قد ملكهم بالكرم والحلم والعطاء ,

وأما ولدوا في الشام على حبه وتربى أولادهم على ذلك وفيهم جماعة يسيرة من الصحابة ,وعدد كثير من التابعين والفضلاء وحاربوا معه أهل العراق ,ونشؤوا على النصب نعوذ بالله من الهوى .

قال خليفة :جمع عمر الشام كلها لمعاوية ,واقره عثمان .

قلت :حسبك بمن يؤمره عمر ,ثم عثمان على إقليم –وهو ثغر-فيضبطه ,ويقوم به أتم قيام ,ويرضي الناس بسخائه وحلمه ,وان كان بعضهم تألم مرة منه ,وكذلك فليكن الملك .وان كان غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيراً منه بكثير وأفضل وأصلح ,فهذا الرجل ساد ,وساس العلم بكمال عقله ,وفرط حلمه ,وسعة نفسه ,وقوة دهائه,ورأيه ,وله هنات وأمور ,والله الموعد .

وقال الزبير بن بكار :كان معاوية أول من اتخذ الديوان للختم ,وأمر بالنيروز والمهرجان ,واتخذ المقاصير في الجامع ,وأول من قتل مسلماً صبرا,وأول من قيدت

ص: 115


1- شرح نهج البلاغة –لابن ابي الحديد المعتزلي –ج2-ص335-336

بين الجنائب ,وأول من اتخذ الخدام الخصيان في الإسلام ,وأول من بلغ درجات المنبر خمس عشرة مرقاة وكان يقول :أنا أول الملوك .(1)

اتهام

إن معاوية بن أبي سفيان قد شارك هؤلاء المجتمعين في توجيه الاتهامات للإمام الحسن بن علي عليهما السلام من المشاركة في قتل عثمان بن عفان ,من قبل أبيه أمير المؤمنين عليه السلام ولم يدافع عنه .

تنبيه

إن ما ذكره الذهبي هو دليل أن معاوية لم يكن يتخذ المنصب لأجل هداية البشر إلى الإسلام ,وإنما للملك الذي يتولاه ويتسلط على رقاب المسلمين ,ولذا بذل أموال المسلمين في سبيل إثبات ذلك.

والدليل على ذلك أن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام لما تولى الخلافة على المسلمين . فقد أرسل عليه السلام كتابه إلى معاوية لئلا يفرق المسلمين وليبايع له

بإمرة المسلمين .

قال عليه السلام : إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه ,فلم يكن للشاهد أن يختار ,ولا للغائب أن يرد ,وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار ,فان اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضا ,فان

ص: 116


1- تهذيب سير اعلام النبلاء –الذهبي –ج1-ص89 -90

خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه ,فان أبى قاتلوه على إتباعه غير سبيل المؤمنين ,و ولاه الله ما تولى .

ولعمري ,يا معاوية ,لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان ,ولتعلمنّ أني كنت في عزلة عنه إلا أن تتجنى فتجن ما بدا لك! والسلام .(1)

لذلك وجب على معاوية بن أبي سفيان أن يسلم الأمر إلى أمير المؤمنين عليه السلام ومن دون اعتراض .

لكن ظهر منه العصيان والخلاف وهذا ما ذكره أمير المؤمنين عليه السلام في رسالة بعث بها إلى ابن أبي سفيان وهذا نصها :

فسبحان الله ! ما أشد لزومك للأهواء المبتدعة , والحيرة المتبعة ,مع تضييع الحقائق واطراح الوثائق ,التي هي لله طلبة ,وعلى عباده حجة . فأما إكثارك الحجاج على عثمان وقتلته ,فإنك إنما نصرت عثمان حيث كان النصر لك ,وخذلته حيث كان النصر له ,والسلام .(2)

2-عمر بن العاص

يقال :أبو محمد السهمي . داهية قريش ورجل العالم ,ومن يضرب به المثل في الفطنة والدهاء,والحزم ,وكان من رجال قريش رأياً ,وحزماً وكفاءةً وبصراً بالحروب ,ومن أشراف الملوك العرب,ومن أعيان المهاجرين .(3)

أبوه :العاص بن وائل ,احد المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمكاشفين له بالعداوة والأذى ,وفيه وفي أصحابه انزل قوله تعالى (إنا كفيناك المستهزئين )

ص: 117


1- نهج البلاغة – من كتاب له عليه السلام الى معاوية –ص427-رقم 6
2- المصدر نفسه –ص478-رقم -37
3- تهذيب سيراعلام النبلاء –ج1-ص86

ويلقب العاص بن وائل في الإسلام بالأبتر ,لأنه قال لقريش :سيموت هذا الأبتر غداً ,فينقطع ذكره –يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه لم يكن له صلى الله عليه وآله وسلم ولد ذكر يعقب منه فانزل الله سبحانه (إن شانئك هو الأبتر )

أما أمه النابغة : فقد ذكرها الزمخشري في ربيع الأبرار وقال: كانت النابغة أم عمر بن العاص أمة لرجل من عنزة فسبيت ,فاشتراها عبد الله بن جدعان التيمي بمكة فكانت بغياً ثم اعتقها ,فوقع عليها أبولهب بن عبد المطلب ,وأمية بن خلف الجمحي ,وهشام بن المغيرة المخزومي ,وسفيان بن حرب والعاص بن وائل السهمي في طهر ,فولدت عمراً ,فادعاه كلهم ,فحكمت أمه فيه ,

فقالت :هو العاص بن وائل وذاك لان العاص بن وائل كان ينفق عليها كثيراً , وقالوا :وكان أشبه بابي سفيان ,وفي ذلك يقول ابو يفيان بن الحارث بن عبد المطلب في عمر بن العاص :

أبوك أبو سفيان لاشك قد بدت لنا فيك منه بينات الشمائل .(1)

سيرته .

إن أمير المؤمنين عليه السلام حاول أن يدعوه ويكون ممن يدفعون عن الحق إلا أنه أبى وآثر دنياه على آخرته ,ولذا حذره من ذلك لما بعث إليه بكتاب لعله يرتد بصيرا فقد جاء نص ذلك منه عليه السلام : فانك قد جعلت دينك تبعا لدنيا امرئ ظاهرٍ غيه ,مهتوك ستره ,يشين الكريم بمجلسه,ويسفه الحليم بخلطته ,فأتبعت أثره ,وطلبت فضله ,إتباع الكلب للضرغام يلوذ بمخالبه ,وينتظر ما يلقى إليه من فضل فريسته ,فأذهب دنياك وآخرتك ! ولو بالحق أخذت أدركت ما طلبت .

فان يمكّني الله منك ومن ابن أبي سفيان أجزكما بما قدمتما ,وان تعجز أو تبقيا فما أمامكما شرّ لكما ,والسلام .(2)

ص: 118


1- شرح نهج البلاغة –لابن ابي الحديد المعتزلي –ج-6-ص282-283
2- نهج البلاغة –من كتاب له عليه السلام الى عمر بن العاص –ص479 -480-رقم 39

وبيّن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أن عمر بن العاص اشترط أن تكون له مصر على معاوية بن أبي سفيان حتى يكون معه ليقاتل جيش الإمامة الحقة فقد خطب عليه السلام فقال :عجباً لإبن النابغة ! يزعم لأهل الشام أن فيّ دعابة ,و أني امرؤٌ تلعابة : أعافس و أمارس !لقد قال باطلاً , و نطق آثماً .

أما – و شر القول الكذب –إنه ليقول فيكذب , و يعد فيخلف ,و يسأل فيبخل ,ويسأل فيحلف ,ويخون العهد ,ويقطع الآل ,فإذا كان عند الحرب فأي زاجر وآمر هو ! ما لم تأخذ السيوف مآخذها, فان كان ذلك كان اكبر مكيدته أن يمنح القرم (القوم)سبته.

أما والله أني ليمنعني من اللعب ذكر الموت ,وانه ليمنعهُ من قول الحقَ نسيان الآخرة ,انه لم يبايع معاوية حتى شرط أن يؤتيه آتيةً ,ويرضخ له على ترك الدين رضيخةً .(1)

وقد أشار الذهبي إلى هذه الرضيخة :قال عمر بن العاص لعبد الله ابنه :إنك أشرت علي بالقعود ,وهو خير لي في آخرتي ,وأما أنت يا محمد فأشرت عليّ بما هو أنبه لذكري ,اتحلا ,فأتى معاوية فوجده يقص ويذكر أهل الشام في دم الشهيد.

فقال له: يا معاوية قد أحرقت كبدي بقصصك ,أترى إن خالفنا عليا لفضل منّا عليه لا والله! إن هي الدنيا نتكالب عليها ,أما والله لتقطعن لي من دنياك أو لأنابذنّك ,فأعطاه مصر وقد كان أهلها بعثوا بطاعتهم إلى علي .(2)

اتهام

الاتهام الموجه إلى الإمام الحسن عليه السلام من حيث سوء أدارة السلطة الإسلامية, من حيث عدم استخدامه للمكائد والخدع والمداهنات .

ص: 119


1- المصدر نفسه –من خطبة له عليه السلام في ذكر عمرو بن العاص – ص124-رقم 84
2- سير اعلام النبلاء – الذهبي –ج4 –ص38

واتهام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من الذين كان لهم الدور الرئيسي في القضاء على أبي بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان .

3-المغيرة بن شعبة

هو أبن أبي عامر بن مسعود بن متعب الأمير .من كبار الصحابة أولي الشجاعة والمكيدة .شهد بيعة الرضوان ,وكان رجلاً طوالاً مهيباً ,ذهبت عينه يوم اليرموك وكان داهية يقال له :مغيرة الرأي .(1)

وعن علي بن النعمان قال :قال علي عليه السلام :لئن ملكت لأرمينه بأحجاره-يعني المغيرة ,وكان ينتقص علياً عليه السلام .

عن جندب بن عبد الله قال :ذكر المغيرة بن شعبة عند علي عليه السلام وجده مع معاوية.

فقال : وما المغيرة إنما كان إسلامه لفجرة و غدرةٍ لمطمئنين إليه (من قومه فتك بهم ) وركبها منهم فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كالعائذ بالإسلام ,والله ما رأى أحد عليه منذ أدعى الإسلام خضوعا ولا خشوعاً ,ألا وانه كان من ثقيف فراعنة قبل يوم القيامة يجانبون الحق ,ويسعرون نيران الحرب ,(ويوازرون الظالمين ,ألا إن ثقيفاً قوم غدر ,لا يعرفون بعهدٍ ,يبغضون العرب ) كأنهم ليسوا منهم ,ولرب صالحٍ قد كان فيهم ,منهم عروة بن مسعود ,وأبو عبيد بن مسعود المستشهد بقس الناطف على شاطئ الفرات (وان الصالح في ثقيف لغريب ).(2)

وهذه شهادة من صحابي لازم النبي الأكرم في حياته ليشهد على المغيرة بتلك الشهادة .

ص: 120


1- تهذيب سير اعلام النبلاء –ج1-ص83
2- الغارات –لابن هلال الثقفي –ص353-355

اتهام

إن المغيرة بن شعبة قد اتهم الإمام الحسن عليه السلام ا ن أباه قد باشر في قتل أبي بكر وعمر بن الخطاب واتهامه في قتل عثمان بن عفان من دون دليل ملموس .

4-عتبة بن أبي سفيان

أدرك عثمان بن عفان وشهد معه الدار ,وقدم دمشق على أخيه معاوية وكان بها دار في درب الحبالين ,وولي المدينة والطائف ومصر وتولى الموسم لأخيه غير مرة

ومن سيرته

ذكر السدي :قال عتبة بن أبي سفيان :العجب من علي بن أبي طالب ومن طلبه للخلافة وما هو وهي ؟

فقال معاوية :اسكت يا ورة ,فو الله إنه فيها كخاطب الحرة إذ يقول :

لئن كان أدنى خاطب فتعذرت عليها وكانت رائداً فتخطت

لما تركته رغبة عن جباله

ولكنها كانت لآخر خطت .(1)

وهذه شهادة معاوية بن أبي سفيان على أخيه بان علي بن أبي طالب عليه السلام هو أولى بالخلافة من كل احد .

اتهام

الاتهام الموجه إلى الإمام الحسن عليه السلام من قبل أبيه هو قاتل قريش في بدر واحد وغيرها من معارك المسلمين ضد المشركين

ص: 121


1- تاريخ دمشق –لابن عساكر –ج38-ص266

كما اتهمه بأنه من الذين قتلوا عثمان بن عفان وحينئذ لزم أن يقتل الإمام الحسن عليه السلام بدلا عن أبيه .كما اتهمه بأنه غير مؤهل للخلافة الإسلامية ولا إدارة الدولة بل لم يكن له شيء منها .

5-الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمر بن أمية بن عبد شمس.

قال الذهبي :له صحبة قليلة ورواية يسيرة.وهو اخو عثمان لامه ,ومن مسلمة الفتح (1)

وقال الثقفي :وهو الذي سماه الله في كتابه فاسقاً وهو أحد الصبية الذين بشرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنار ,وقال شعراً يرد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله حيث قال في عليّ:(إن تولوه تجدوه هادياً مهدياً ,يسلك بكم الطريق المستقيم ).

فقال :

فإ ن يكٌ قد ضل البعير بحمله

فلم يكُ مهدياً ولا كان هادياً

فهو من مبغضي عليّ عليه السلام وأعدائه وأعدائه النبي صلى الله عليه وآله لأن أباه قتله النبي صلى الله عليه وآله بيد علي صبراً يوم بدرٍ بالصفراء.(2)

فيكفي ما تسالم عليه المسلمون بخروج المصلح لهذه الأمة المسلمة وينكره الوليد

ص: 122


1- تهذيب سير اعلام النبلاء –ج1-ص106-107
2- الغارات –لابي هلال الثقفي –ص355

اتهام

اتهم الوليد الإمام الحسن عليه السلام أن بني هاشم وخصوصاً آل ابي طالب هم الذين يتحملون الوزر في مقتل عثمان بن عفان لأنهم قطعوا بذلك الرحم بينهم وبين بني أمية .

6-عمرو بن عثمان بن عفان

روى الزبير بن بكار في كتاب النسب من طريق عبد العزيز بن عمران عن محرر بن جعفر عن جده قال :قدم جندب بن عمرو بن حممة الدوسي مهاجراً ثم مضى إلى الشام وخلف ابنته (أم أبان )عند عمر وقال :إن وجدت لها كفؤاً فزوجها ولو بشراك نعله وإلا فامسكها حتى تلحقها بدار قومها ) فكانت عند عمر تدعوه أباها ,إلى أن زوجها من عثمان ,فولدت له عمرو بن عثمان ,في عهد عمر.(1)

اتهام

إن عمرو بن عثمان اتهم الإمام الحسن عليه السلام وأبيه بأنهما حسدا عثمان بن عفان على الخلافة وأثارا الفتنة عليه حتى قتله ,كما قتل من بني أمية في بدر جمعه ومزق شملهم وجعلهم طرائق قددا.وحينذاك فهو يطلب الثأر بهم.

الأمام الحسن عليه السلام ينتصر لدينه.

بعد هذه الاتهامات الموجهة إليه ,شن الإمام الحسن عليه السلام هجوماً على هؤلاء

فتكلم أبو محمد الحسن بن علي عليهما السلام.

ص: 123


1- جمهرة نسب قريش واخبارها –الزبير بن بكار –ج2 –ص261-262

فقال : الحمد لله الذي هدى أولكم بأولنا ، وآخركم بآخرنا ، وصلى الله على جدي محمد النبي وآله وسلم .

اسمعوا مني مقالتي وأعيروني فهمكم وبك أبدء يا معاوية : إنه لعمر الله يا أزرق ما شتمني غيرك وما هؤلاء شتموني ، ولا سبني غيرك وما هؤلاء سبوني ولكن شتمتني ، وسببتني ، فحشا منك ، وسوء رأي ، وبغيا ، وعدوانا ، وحسدا علينا ، وعداوة لمحمد صلى الله عليه وآله ، قديما وحديثا ، وأنه والله لو كنت أنا وهؤلاء يا أزرق مشاورين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وحولنا المهاجرون والأنصار ما قدروا أن يتكلموا به ، ولا استقبلوني بما استقبلوني به . فاسمعوا مني أيها الملأ المجتمعون المتعاونون علي ، ولا تكتموا حقاً علمتوه ، ولا تصدقوا بباطل إن نطقت به ،

وسأبدأ بك يا معاوية ولا أقول فيك إلا دون ما فيك .

أنشدكم بالله هل تعلمون أن الرجل الذي شتمتموه صلى القبلتين كلتيهما وأنت تراهما جميعا وأنت في ضلالة تعبد اللات و العزى ، وبايع البيعتين كلتيهما بيعة الرضوان وبيعة الفتح ، وأنت يا معاوية بالأولى كافر ، وبالأخرى ناكث .

ثم قال : أنشدكم بالله هل تعلمون أن ما أقول حقا ، أنه لقيكم مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر ومعه راية النبي صلى الله عليه وآله والمؤمنين ، ومعك يا معاوية راية المشركين وأنت تعبد اللات و العزى ، وترى حرب رسول الله صلى الله عليه وآله فرضا واجبا ، ولقيكم يوم أحد ومعه راية النبي ، ومعك يا معاوية راية المشركين ، ولقيكم يوم الأحزاب

ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وآله ، ومعك يا معاوية راية المشركين ، كل ذلك يفلج الله حجته ، ويحق دعوته ، ويصدق أحدوثته ، وينصر رايته ، وكل ذلك رسول الله يرى عنه راضيا في المواطن كلها ساخطا عليك .

ص: 124

ثم أنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله حاصر بني قريضة وبني النظير ، ثم بعث عمر بن الخطاب ومعه راية المهاجرين ، وسعد بن معاذ ومعه راية الأنصار فأما سعد بن معاذ فجرح وحمل جريحا ، وأما عمر فرجع هاربا وهو يجبن ويجبن أصحابه ويجبنه أصحابه ،

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : " لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، كرار غير فرار ، ثم لا يرجع حتى يفتح الله عليه يديه " فتعرض لها أبو بكر وعمر ، وغيرهما من المهاجرين والأنصار وعلي يومئذ أرمد شديد الرمد ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وآله فتفل في عينيه فبرأ من رمده ، وأعطاه الراية فمضى ولم يثن حتى فتح الله عليه بمنه وطوله ، وأنت يومئذ بمكة عدو لله ولرسوله .

فهل يستوي بين رجل نصح لله ولرسوله ، ورجل عادى الله ورسوله.

ثم أقسم بالله ما أسلم قلبك بعد ، ولكن اللسان خائف فهو يتكلم بما ليس في القلب . أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله استخلفه على المدينة في غزاة تبوك ولا سخط ذلك ولا كراهة ،

وتكلم فيه المنافقون فقال : لا تخلفني يا رسول الله فإني لم أتخلف عنك في غزوة قط ،

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنت وصيي وخليفتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى.

ثم أخذ بيد علي عليه السلام فقال : أيها الناس من تولاني فقد تولى الله ، ومن تولى عليا فقد تولاني ، ومن أطاعني فقد أطاع الله ، ومن أطاع عليا فقد أطاعني ، ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أحب عليا فقد أحبني .

ص: 125

ثم قال : أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في حجة الوداع : أيها الناس إني قد تركت فيكم ما لم تضلوا بعده : كتاب الله وعترتي أهل بيتي فأحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ، واعملوا بمحكمه ، وآمنوا بمتشابهه ، وقولوا : آمنا بما أنزل الله من الكتاب ، وأحبوا أهل بيتي وعترتي ، ووالوا من والاهم ، وانصروهم على من عاداهم ، وأنهما لن يزالا فيكم حتى يردا علي الحوض يوم القيامة .

ثم دعا وهو على المنبر عليا فاجتذبه بيده فقال : اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، اللهم من عادى عليا فلا تجعل له في الأرض مقعدا ، ولا في السماء مصعدا ، واجعله في أسفل درك من النار ؟

وأنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال له : أنت الذائد عن حوضي يوم القيامة تذود عنه كما يذود أحدكم الغريبة من وسط إبله ؟

أنشدكم بالله أتعلمون أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه الذي توفي فيه فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله.

فقال علي : ما يبكيك يا رسول الله ؟

فقال : يبكيني أني أعلم : أن لك في قلوب رجال من أمتي ضغائن ، لا يبدونها لك حتى أتولى عنك ؟

أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله حين حضرته الوفاة واجتمع عليه أهل بيته قال : " اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي ، اللهم وال من والاهم وعاد من عاداهم " ,

وقال : " إنما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح ، من دخل فيها نجى ، ومن تخلف عنها غرق ؟

ص: 126

وأنشدكم بالله أتعلمون : أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله قد سلموا عليه بالولاية في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وحياته ؟

أنشدكم بالله أتعلمون أن عليا أول من حرم الشهوات كلها على نفسه من أصحاب رسول الله ، فأنزل الله عز وجل : " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين * وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون "

وكان عندهم علم المنايا ، وعلم القضايا ، وفصل الكتاب ، ورسوخ العلم ، ومنزل القرآن ، وكان رهط لا نعلمهم يتممون عشرة ، نبأهم الله أنهم مؤمنون ، وأنتم في رهط قريب من عدة أولئك لعنوا على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأشهد لكم وأشهد عليكم : أنكم لعناء الله على لسان نبيه كلكم.

وأنشدكم بالله هل تعلمون : أن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث إليك لتكتب له لبني خزيمة حين أصابهم خالد بن الوليد فانصرف إليه الرسول.

فقال : " هو يأكل " فأعاد الرسول إليك ثلاث مرات كل ذلك ينصرف الرسول إليه ويقول " هو يأكل " .

فقال رسول الله " اللهم لا تشبع بطنه " فهي والله في نهمتك ، وأكلك إلى يوم القيامة ثم قال : أنشدكم بالله هل تعلمون أن ما أقول حقا إنك يا معاوية كنت تسوق بأبيك على جمل أحمر يقوده أخوك هذا القاعد ، وهذا : يوم الأحزاب ، فلعن رسول الله القائد والراكب والسائق ، فكان : أبوك الراكب ، وأنت يا أزرق السائق ، وأخوك هذا القاعد القائد ؟

أنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن أبا سفيان في سبعة مواطن.

أولهن : حين خرج من مكة إلى المدينة وأبو سفيان جاء من الشام ، فوقع فيه أبو سفيان فسبه ، وأوعده ، وهم أن يبطش به ،

ص: 127

ثم صرفه الله عز وجل عنه .

والثانية : يوم العير حيث طردها أبو سفيان ليحرزها من رسول الله .

والثالثة : يوم أحد قال رسول الله : الله مولانا ولا مولى لكم ، وقال أبو سفيان لنا العزى ولا عزى لكم ، فلعنه الله ، وملائكته ، ورسله ، والمؤمنون أجمعون . والرابعة يوم حنين : يوم جاء أبو سفيان يجمع قريش وهوازن ، وجاء عينية بغطفان واليهود ، فردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا ، هذا : قول الله عز وجل أنزل في سورتين في كلتيهما يسمي أبا سفيان وأصحابه كفارا ، وأنت يا معاوية يومئذ مشرك على رأي أبيك بمكة ، وعلي يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى رأيه ودينه .

والخامسة : قول الله عز وجل : " والهدي معكوفاً أن يبلغ محله " وصددت أنت وأبوك و مشركو قريش رسول الله ، فلعنه الله لعنة شملته وذريته إلى يوم القيامة . والسادسة : يوم الأحزاب يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش ، وجاء عينية بن حصين بن بدر بغطفان ، فلعن رسول الله القادة والأتباع ، والساقة إلى يوم القيامة .

فقيل : يا رسول الله أما في الأتباع مؤمن ؟

قال : لا تعيب اللعنة مؤمنا من الأتباع ، أما القادة فليس فيهم مؤمن ، ولا مجيب ، ولا ناج .

والسابعة : يوم الثنية ، يوم شد على رسول الله صلى الله عليه وآله اثنا عشر رجلا ، سبعة منهم من بني أمية ، وخمسة من سائر قريش ، فلعن الله تبارك وتعالى ورسول الله من حل الثنية غير النبي صلى الله عليه وآله وسائقه وقائده .

ثم أنشدكم بالله هل تعلمون أن أبا سفيان دخل على عثمان حين بويع في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا بن أخي هل علينا من عين ؟

فقال : لا .

ص: 128

فقال أبو سفيان : تداولوا الخلافة يا فتيان بني أمية فو الذي نفس أبي سفيان بيده ، ما من جنة ولا نار .

وأنشدكم بالله أتعلمون أن أبا سفيان أخذ بيد الحسين حين بويع عثمان وقال : يا بن أخي أخرج معي إلى بقيع الغرقد ، فخرج حتى إذا توسط القبور اجتره فصاح بأعلى صوته : يا أهل القبور ! الذي كنتم تقاتلونا عليه صار بأيدينا وأنتم رميم .

فقال الحسين بن علي عليه السلام : قبح الله شيبتك ، وقبح وجهك ، ثم نتر يده وتركة ، فلو لا النعمان بن بشير أخذ بيده ورده إلى المدينة لهلك .

فهذا لك يا معاوية فهل تستطيع أن ترد علينا شيئا . ومن لعنتك يا معاوية إن أباك أبا سفيان كان يهم أن يسلم ، فبعثت إليه بشعر معروف مروي في قريش وغيرهم ، تنهاه عن الإسلام وتصده .

ومنها أن عمر بن الخطاب ولاك الشام فخنت به ، و ولاك عثمان فتربصت به

ريب المنون ،

ثم أعظم من ذلك جرأتك على الله ورسوله : أنك قاتلت عليا عليه السلام وقد عرفته وعرفت سوابقه ، وفضله وعلمه على أمر هو أولى به منك ، ومن غيرك عند الله وعند الناس ، ولأذيته بل أوطأت الناس عشوة ، وأرقت دماء خلق من خلق الله بخدعك وكيدك وتمويهك ، فعل من لا يؤمن بالمعاد ، ولا يخشى العقاب ، فلما بلغ الكتاب أجله صرت إلى شر مثوى ، وعلي إلى خير منقلب ، والله لك بالمرصاد .

فهذا لك يا معاوية خاصة ، وما أمسكت عنه من مساويك وعيوبك فقد كرهت به التطويل (1).

تنبيهات لابد منها .

ص: 129


1- الاحتجاج –الطبرسي –ج1-ص405-410

إن الإمام الحسن بن علي عليهما السلام قد رد على معاوية بن أبي سفيان بأدلة قاطعة لا يمكن الشك فيها ,بل المسلمون يعترفون بها وان أنكرها منكر وهي :

أولاً :إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام هو أول من صلى إلى القبلتين ,ومعاوية لم يسلم إلا عام فتح مكة بعد ما كان يعبد اللات والعزى .

فقد قال ابن عباس :أول من صلى علي عليه السلام .(1)

وذلك لحديث عفيف الكندي قال :جئت في الجاهلية إلى مكة فنزلت على العباس بن عبد المطلب فلما ارتفعت الشمس وحلقت في السماء وأنا انظر إلى الكعبة أقبل شاب فرمى ببصره إلى السماء ثم استقبل الكعبة فقام مستقبلا فلم يلبث حتى جاء غلام ,فقام عن يمينه ,فلم يلبث حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما ,فركع الشاب ,فركع الغلام والمرأة فرفع الشاب فرفع الغلام والمرأة ,فخر الشاب ساجداً فسجدا معه ,

فقلت :يا عباس أمر عظيم ,

فقال لي :أمر عظيم ,أتدري من هذا الشاب؟

فقلت :لا ,

فقال :هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ,هذا ابن أخي ,

وقال :أتدري من هذا الغلام ؟

فقلت :لا ,

فقال :هذا علي بن ابي طالب بن عبد المطلب ,هذا ابن أخي ,هل تدري من هذه المرأة التي خلفهما ؟

قلت :لا ,

ص: 130


1- كفاية الطالب في مناقب علي بن ابي طالب عليه السلام –الكنجي الشافعي –ص108

قال :هذه خديجة ابنة خويلد زوجة ابن أخي ,إن هذا حدثني أن رب السماوات والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه ,ولا والله ما على ظهر الأرض كلها احد على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة .(1)

وقال محمد بن إسحاق :كان أول ذكر من الناس آمن برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معه وصدّق ما جاءه من الله علي بن أبي طالب وهو ابن عشر سنين يومئذ وكان مما انعم الله به على علي بن أبي طالب عليه السلام انه كان في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل الإسلام .(2)

ثانيا: إن راية النبي في بدر واحد والأحزاب في يد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ,وكانت راية الكفار بيد معاوية بن أبي سفيان

وبسند عن ابن عباس أن راية المهاجرين كانت مع علي عليه السلام في المواقف كلها يوم بدر ,ويوم احد ,ويوم حنين ,ويوم الأحزاب ,ويوم فتح مكة ,ولم تزل معه في المواقف كلها .(3)

وعن جابر بن سمرة قال :قيل :يا رسول الله من يحمل رايتك يوم القيامة ؟

قال :من عسى يحملها إلا من حملها في الدنيا علي بن أبي طالب .

وعن قتادة أن علي بن أبي طالب كان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كل مشهد . (4)

وقال أبو البختري القرشي :كانت راية قريش ولواؤها جميعاً بيد قصي بن كلاب ثم لم تزل الراية في يد عبد المطلب يحملها منهم من حضر الحرب حتى بعث الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فصارت راية قريش وغير ذلك إلى النبي فأقرها في بني هاشم وأعطاها علي بن أبي طالب في غزوة ودان وهي أول غزوة حمل

ص: 131


1- كفاية الطالب – الكنجي الشافعي –ص111-112
2- المناقب –الخوارزمي –ص57
3- كفاية الطالب – الكنجي الشافعي –ص300
4- كفاية الطالب – الكنجي الشافعي –ص301

فيها راية في الإسلام مع النبي ثم لم تزل معه في المشاهد ببدر وهي البطشة الكبرى وفي يوم احد ,وكان يومئذ في بني عبد الدار فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مصعب بن عمير فاستشهد ووقع اللواء من يده فتشوفته القبائل فأخذه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودفعه إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فجمع له الراية واللواء ,فهما الى اليوم في بني هاشم ,(1)

ثالثا :وذكر معاوية حينما سلم راية الإسلام إلى أمير المؤمنين عليه السلام بعدما أرسل الراية بيد قادة الجيش الإسلامي فولوا هاربين .

فقد قال سهل بن سعد رضي الله عنه :أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

قال :لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه .

قال :فبات الناس يدوكون ليلهم أيهم يعطاها ,فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , كلهم يرجو أن يعطاها ,

فقال :أين علي بن أبي طالب ؟

فقالوا :يشتكي عينيه يا رسول الله ,

قال :فأرسلوا إليه فأتوني به .

فلما جاء به بصق في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع ,فأعطاه الراية ,

فقال علي:يا رسول الله ,اقتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟

فقال :أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام واخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه ,فو الله لان يهدي الله بك رجلاً واحداً ,خير لك من أن يكون لك حمر النعم .(2)

ص: 132


1- إعلام الورى بأعلام الهدى – الطبرسي – ص200
2- صحيح البخاري –محمد بن اسماعيل البخاري –ص676-باب مناقب علي بن ابي طالب –ح3701

رابعا :وأكد الإمام الحسن عليه السلام على أحقية أبيه في الخلافة بعدما كان جديراً لها في حياة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وهو الأولى بها من كل المسلمين واستخلافه في تبوك خير شاهد على ذلك .

عن سعد بن أبي وقاص قال :خاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك .

فقال :يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان .

فقال :أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير انه لا نبي بعدي .(1)

خامساً :وذكر القوم بحجة الوداع التي بايع فيها المسلون الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بالولاية والتسليم له

فقد قال زيد بن أرقم :لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خمُ ,أمر بدوحات فقممن .

ثم قال :كأني قد دعيت فأجبت ,إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر ,كتاب الله وعترتي أهل بيتي ,فانظروا كيف تخلفوني فيهما ,فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ,

ثم قال :إن الله عز وجل مولاي وأنا ولي كل مؤمن ومؤمنة ثم اخذ بيد علي عليه السلام .

فقال :من كنت وليه فهذا وليه ,اللهم وال من والاه وعاد من عاداه .(2)

سابعا: واقرهم أن صاحب الحوض يوم القيامة الذي يدفع بأصحابه ومحبيه إلى الجنة وبمبغضيه إلى النار إلا وهو علي بن أبي طالب عليه السلام

ص: 133


1- صحيح مسلم –مسلم بن الحجاج –ج2-ص360-باب من فضائل علي بن ابي طالب عليه السلام
2- المناقب – الخوارزمي –ص146-147

فقد قالا أبو هريرة وجابر :قال رسول الله عليه وآله وسلم :علي بن أبي طالب صاحب حوضي يوم القيامة ,فيه أكواب كعدد النجوم ,وسعة حوضي مابين الجابية الى صنعاء .(1)

وروى محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال :قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :كأني أنظر إلى ترافع أمتي على الحوض فيقول الوارد للصادر :هل شربت ؟

فيقول :نعم

والله لقد شربت ,

ويقول بعضهم :لا والله ما شربت فيا طول عطشاه ,

وقال لعلي عليه السلام :والذي نبأ محمداً وأكرمه إنك لذائد عن حوضي تذود عنه رجالاً كما يذاد البعير الصادي عن الماء ,بيدك عصا من عوسج كأني أنظر إلى مقامك من حوضي .(2)

ثامنا :و أكد الإمام الحسن عليه السلام على الآية الكريمة التي دلت على انقلاب المسلمين عقيب وفاة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم .وإظهار الكراهة والبغضاء لأمير المؤمنين عليه السلام

قال تعالى(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين )

تاسعا :وذكر الإمام الحسن عليه السلام معاوية وأقرانه بالأحاديث الشريفة

قالت أم مسلمة : في بيتي نزلت (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً )

ص: 134


1- المناقب – الخوارزمي –ص286
2- إعلام الورى بأعلام الهدى-الطبرسي –ص196

قالت :فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى فاطمة وعلي والحسن والحسين عليهم السلام.

فقال :هؤلاء أهلي أهل البيت .

فقلت :يا رسول الله أما إنا من أهل البيت ؟

فقال :بلى ,إن شاء الله

وقد ذكر أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء إلى بيت علي عليه السلام أربعين صباحاً بعدما دخل على فاطمة عليها السلام.

فقال :السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ,الصلاة يرحمكم الله (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً )(1)

عاشرا: اعتراف المسلمين بتنصيب أمير للمؤمنين في غدير خم والتسليم له بالامرة فقد روى الإمام احمد بن حنبل في مسنده عن البراء بن عازب قال :كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي فقال :ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ,

قالوا :بلى ,

قال: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه ,

قالوا :بلى ,

فقال :اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ,فلقيه عمر بن الخطاب بعد ذلك.

فقال له:هنيئاً لك يا أبن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة .(2)

ص: 135


1- المناقب –الخوارزمي –ص64-65-في بان انه من اهل البيت عليهم الصلاة والسلاة
2- الفصول المهمة –لابن الصباغ –ص40

الحادي عشر :وبيّن الأمام عليه السلام أن أباه عليه السلام قد ترك الدنيا وزخرفها ابتغاء مرضاة الله تعالى و هو القائل :ألا وان الدنيا قد تصرمت وآذنت بانقضاء,وتنكر معروفها ,وأدبرت حذاء ,فهي تحفز بالفناء سكانها,وتحدو بالموت جيرانها ,وقد أمرّ فيها ما كانوا حلواً ,وكدر منها ما كان صفواً ,فلم يبق منها إلا سملة كسملة الأدواة , أو جرعة كجرعة المقلة ,لو تمززها الصديان لم ينقع .فأزمعوا عباد الله الرحيل عن هذه الدار المقدور على أهلها الزوال ,ولا يغلبنكم فيها الأمل , ولا يطولنّ عليكم فيها الأمد .(1)

الثاني عشر :كما ذكرهم أن أمير المؤمنين عليه السلام اعلم امة الإسلام .

فقد قال سلمان رضوان الله تعالى عليه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

قال :أعلم أمتي من بعدي علي بن ابي طالب .(2)

كما كان اعلم امة الإسلام بالقرآن ولا يشك في لك إلا جاهل .

فقد ذكر نصير عن سليمان الأحمشي عن أبيه عن علي عليه السلام قال :والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما أنزلت وأين نزلت وأن ربي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سؤولاً(3)

وقال سعيد بن المسيب :ما كان في أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحد يقول سلوني غير علي بن أبي طالب عليه السلام .(4)

الثالث عشر :واشهد الإمام الحسن عليه السلام القوم على أن أبا سفيان وابنه معاوية وأخاه هم من الملعونين على لسان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم .

ص: 136


1- نهج البلاغة –ص84- من خطبة له عليه السلام وهي في التزهيد في الدنيا
2- المناقب – الخوارزمي –ص85
3- المصدرنفسه –ص92
4- المصدرنفسه –ص92

ونقل صاحب كتاب الغدير قال عن علي بن الأقمر عن عبد الله بن عمر قال :خرج رسول الله من فج فنظر إلى أبي سفيان وهو راكب ,ومعاوية وأخوه أحداهما قائد والآخر سائق ,فلما نظر إليهم رسول الله.

قال :اللهم العن القائد والسائق والراكب .

قلنا :أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

قال :نعم ,وإلا فصمتا أذناي كما عميتا عيناي .(1)

الرابع عشر :ونبه الإمام عليه السلام هؤلاء القوم على دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم على معاوية .

فقد ذكر أبو ذر الغفاري لمعاوية :سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

يقول وقد مررت به :اللهم العنه ولا تشبعه إلا بالتراب .(2)

الخامس عشر :واهم القضايا التي تلاها على القوم هي الأماكن التي لعن فيها أبو سفيان خصوصا ما دل على كفره وعدم إيمانه بالدين الإسلامي

وذكر المقريزي: وروي عن الحسن أن أبا سفيان دخل على عثمان حين صارت الخلافة إليه.

فقال: قد صارت إليك بعد تيم وعدي فأدرها كالكرة واجعل أوتادها نبي أمية فإنما هو الملك ولا ادري ماجنة ولا نار فصاح به عثمان قم عني فعل الله بك وفعل.(3)

السادس عشر :وأكد الإمام عليه السلام على أهمية المنصب الذي يتمتع من يكون مؤهلا له فلا يخون ولا يرتكب المحرمات .

ص: 137


1- الغدير في الكتاب والسنة والادب – عبد الحسين الاميني –ج10-ص139 –ح1
2- المصدر نفسه –ج10 –ص142-ح6
3- النزاع والتخاصم – المقريزي-ص30

ولذا كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يشدد على استرجاع حقوق المسلمين من ولاتهم .

ولأجل ذلك كان يقول :والله لو وجدته قد تزوج به النساء , وملك به الإماء ,لرددته ,فان في العدل سعة .ومن ضاق عليه العدل ,فالجور عليه أضيق !(1)

السابع عشر :ومن ذكاء الإمام عليه السلام انه رد على مدعي الإسلام والتسليم لأمور المسلمين لما ذكره بخروجه عن عهدة المسلمين وإنكار ذلك بطلب دم عثمان

وذلك لما أرسل أمير المؤمنين عليه السلام بكتاب إلى معاوية جاء فيها :

إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه ,فلم يكن للشاهد أن يختار ,ولا للغائب أن يرد ,وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار , فان اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى , فان خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه ,فان أبى قاتلوه على أتباعه غير سبيل المؤمنين ,و ولاه الله ما تولى .

ولعمري ,يا معاوية ,لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني ابرأ الناس من دم عثمان ,ولتعلمن أني كنت في عزلة عنه إلا أن تتجنى ,فتجن ما بدا لك ! والسلام .(2)

الإمام الحسن عليه السلام يبطل الأكاذيب

فقد رد الإمام عليه السلام على أكاذيب ابن عثمان ودافع واظهر الأباطيل بالأدلة الواضحة لا مراء فيها فقال :

وأما أنت يا عمرو بن عثمان فلم تكن للجواب حقيقا بحمقك ، أن تتبع هذه الأمور فإنما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة : استمسكي فإني أريد أن أنزل عنك ،

ص: 138


1- نهج البلاغة –ص38 – من كلام له عليه السلام فيما رده على المسلمين من قطائع عثمان
2- نهج البلاغة –ص427-من كتاب له عليه السلام الى معاوية –رقم 6

فقالت لها النخلة : ما شعرت بوقوعك ، فكيف يشق علي نزولك . وإني والله ما شعرت أنك تجسر أن تعادي لي فيشق علي ذلك ،

وإني لمجيبك في الذي قلت : إن سبك عليا عليه السلام أينقص في حسبه ، أو يباعده من رسول الله ، أو بسوء بلائه في الإسلام ، أو بجور في حكم أو رغبة في الدنيا ؟

فإن قلت واحدة منها فقد كذبت .

وأما قولك : إن لكم فينا تسعة عشر دما بقتلى مشركي بني أمية ببدر ، فإن الله ورسوله قتلهم ، ولعمري لتقتلن من بني هاشم تسعة عشر وثلاثة بعد تسعة عشر ثم يقتل من بني أمية تسعة عشر وتسعة عشر في موطن واحد سوى ما قتل من بني أمية لا يحصي عددهم إلا الله ،

وأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إذا بلغ ولد الوزغ ثلاثين رجلا : أخذوا مال الله بينهم دولا ، وعباده خولا ، وكتابه دغلا ، فإذا بلغوا ثلاثمائة وعشر حقت اللعنة عليهم ولهم ، فإذا بلغوا أربعمائة وخمسة وسبعين كان هلاكهم أسرع من لوك تمرة ، فأقبل الحكم بن أبي العاص وهم في ذلك الذكر والكلام.

فقال رسول الله : أخفضوا أصواتكم فإن الوزغ يسمع ، وذلك حين رآهم رسول الله صلى الله عليه وآله ومن يملك بعده منهم أمر هذه الأمة - يعني في المنام - فساءه ذلك وشق عليه ، فأنزل الله عز وجل في كتابه ، " وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة

للناس والشجرة الملعونة في القرآن " يعني : بني أمية ،

وأنزل أيضا " ليلة القدر خير من ألف شهر " فأشهد لكم ، وأشهد عليكم ، ما سلطانكم بعد قتل علي إلا ألف شهر التي أجلها الله عز وجل في كتابه (1).

ص: 139


1- الاحتجاج –الطبرسي –ج1-ص410-411

تنبيه لابد منه

إن الإمام الحسن بن علي عليهما السلام قد رد على عمرو بن عثمان بأمور لابد من بيان أهميتها وهي :

أولاً :فقد بيّن أن سب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام لم ينقصه من بني هاشم ولا من منزلته شيئا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ,ولم يترك الجهاد في سبيل الله ,ولا جار في حكم ولا رغب في الدنيا .

فقد ذكر أبوعبد الله الجدلي قال :دخلت على أم سلمة رضي الله عنها .

فقالت لي :أيسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيكم .

فقلت :معاذ الله أو سبحان الله أو كلمة نحوها.

فقالت :سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من سب علياً فقد سبني .(1)

وقد بين منزلة أمير المؤمنين عليه السلام الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم,فقد قال عمران بن حصين :بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جيشا واستعمل عليهم عليا فمضى في السرية فأصاب جارية فأنكروا عليه,وتعاقدوا أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فقالوا: إذا لقينا رسول الله نخبره بما صنع علي ,وكان المسلمون إذا رجعوا من السفر بدؤا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسلموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم ,فلما قدمت السرية سلموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ,فقام احد الأربعة.

فقال :يا رسول الله الم تر إلى علي صنع كذا وكذا ؟

ص: 140


1- المستدرك –الحاكم النيسابوري –ج3-ص130-كتاب معرفة الصحابة

فاعرض عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ,ثم قام الثاني مثل مقالته فاعرض عنه ,ثم قام الثالث فقال مثل مقالتهما فاعرض عنه ,فقام الرابع فقال مثل ما قالوا ,فاقبل عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والغضب يعرف في وجهه .

ثم قال :ما تريدون من علي ,ما تريدون من علي ,ما تريدون من علي ؟

إن علياً مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن من بعدي فلا تخالفوه في حكمه .(1)

وقد أوضح الإمام علي عليه السلام ما كان من الدنيا وإعراضه عنها.

فقال :يا دنيا يا دنيا ,إليك عني ,أبي تعرضت ؟أم إلي تشوقت ؟

لا حان حينك هيهات ! غيري غيري ,لا حاجة لي فيك ,قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها! فعيشك قصير , وخطرك يسير ,واملك حقير ,آه من قلة الزاد ,وطول الطريق ,وبعد السفر ,وعظيم المورد !(2)

كل هذه الأدلة وجرأته وادعائه ومطالبته بدماء الكفار في بدر واحد وهذا اعتراف صريح منه ببقائه على عهد الشرك أو عصبية لهؤلاء المشركين .

وأكد الإمام عليه السلام على الشجرة الملعونة ومنها الحكم بن أبي العاص حيث كان من المؤذين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة يشتمه ويسمعه ما يكره فلما كان فتح مكة اظهر الإسلام خوفا من القتل فلم يحسن إسلامه وكان مغموصا عليه في دينه.

وقال نافع ابن جبير عن أبيه :كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمر الحكم ابن أبي العاص فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ويل لأمتي مما في صلب هذا )

وقد قالت عائشة لمروان بن الحكم (اشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن ابك وأنت في صلبه ).(3)

ص: 141


1- كفاية الطالب –الكنجي الشافعي –ص98-99-باب في غضب النبي (ص)لمخالفة علي (ع)
2- نهج البلاغة –ص563-من الكلمات القصار –رقم 77
3- النزاع والتخاصم –المقريزي –ص24-25

الأمام الحسن عليه السلام يهزم الداهية

أولاً : أشار الإمام عليه السلام إلى أن عمر بن العاص لم من الشجعان بقد ما كان من المنهزمين في مقام الاحتجاج و ساحات الوغى

لما اشتدت قريش في أذى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه أمرهم رسول الله أن يخرجوا إلى الحبشة وأمر جعفر أن يخرج بهم فخرج جعفر وخرج معه سبعون رجلاً حتى ركبوا البحر فلما بلغ قريش خروجهم بعثوا عمر و بن العاص السهمي وعمارة بن الوليد إلى النجاشي أن يردوهم إليهم وان يعلماه أنهم يخالفون لهم ,فخرج عمارة وكان شابا حسن الوجه مترفا واخرج عمر بن العاص أهله فلما ركبوا السفينة شربوا الخمر .

فقال عمارة لعمرو بن العاص:قل لأهلك تقبلني ,

فقال :سبحان الله أيجوز هذا فتركه حتى انتشى وكان على صدر السفينة فدفعه عمارة وألقاه في البحر فتشبث عمرو بصدر السفينة وأدركوه فأخرجوه فلما أن رأى عمرو ما فعل به عمارة.

قال لأهله :قبليه ,فلما وردوا على النجاشي فدخلوا عليه وقد كانوا حملوا عليه هدايا ,فقال عمرو :أيها الملك أن قومنا خالفونا في ديننا وصاروا إليك فردهم إلينا ,فبعث النجاشي إلى جعفر فاحضروه.

فقال :يا جعفر إن هؤلاء يسألونني أن أردكم إليهم,

فقال :أيها الملك سلهم انحن عبيد لهم ؟

قال عمرو :لا بل أحرار كرام ,

قال :فسلهم الهم علينا ديون يطالبوننا بها ؟

ص: 142

قال :ما لنا عليهم ديون ,

قال :أفلهم في أعناقنا دماء يطالبوننا بذحولها ؟

قال عمرو :لا ,ما لنا في أعناقهم دماء ولا نطالبهم بذحولها ,

قال :فما تريدون منّا ؟

قال عمرو :خالفوننا في ديننا ودين آبائنا وسبوا آلهتنا وافسدوا شباننا وفرقوا

جماعتنا فردوهم إلينا ليجمع أمرنا

,

فقال جعفر:أيها الملك خالفناهم لنبي بعثه الله فينا ,أمرنا بخلع الأنداد وترك الأستقسام بالأزلام وأمرنا بالصلاة والزكاة وحرم الظلم والجور وسفك الدماء بغير حلها والزنا والربا والميتة والدم وأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ,

قال النجاشي :بهذا بعث الله عيسى ابن مريم .

ثم قال النجاشي :يا جعفر أتحفظ مما انزل الله على نبيك شيئاً ؟

قال :نعم ,

قال :اقرأ فقرا عليه سورة مريم عليها السلام فلما بلغ إلى قوله (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً فكلي واشربي وقرّي عيناً ) بكى النجاشي.

وقال :إن هذا والله هو الحق ,

فقال عمرو :أيها الملك أن هذا ترك ديننا فرده علينا حتى نرده إلى بلادنا فرفع النجاشي يده فضرب بها وجهه,

ثم قال :لئن ذكرته بسوء لأقتلنك ,

ص: 143

فقال عمرو –والدماء تسيل على ثيابه -: أيها الملك إن كان هذا كما تقول فإنا لا نعرض له من عنده.

وكان على رأس النجاشي وصيفة تذب له فنظرت إلى عمارة بن الوليد وكان فتى جميلاً ,فلما رجع عمرو بن العاص إلى منزله.

قال لعمارة :لو راسلت جارية الملك ,فراسلها عمارة فأجابته.

فقال لعمرو بن العاص :قد أجابتني .

قال :قل لها :تحمل إليك من طيب الملك شيئاً.

فقال لها, فحملت إليه فأخذه عمرو بن العاص وكان الذي فعل به عمارة حيث ألقاه في البحر في قلبه فأدخل الطيب على النجاشي .

فقال له :أيها الملك إن من حرمة الملك وحقه علينا وإكرامه إيانا إذا دخلنا بلاده ونأمن فيه ألا نغشه وإن صاحبي هذا هو الذي معي قد راسل حرمتك وخدعها وبعثت إليه من طيبك فعرض عليه طيبه فغضب النجاشي لذلك غضباً شديداً وهمّ أن يقتل عمارة .

ثم قال :لا يجوز قتله لأنهم دخلوا بلادي بأمان ,فدعا السحرة .

وقال :اعملوا به شيئاً يكون اشد من القتل ,فأخذوه ونفخوا في إحليله شيئاً-من الزيبق فصار مع الوحش فكان يغدو معهم ولا يأنس بالناس,

فبعث قريش بعد ذلك في طلبه فكمنوا له في موضع فورد الماء مع الوحش فقبضوا عليه فما زال يضطرب في أيديهم ويصيح حتى مات فرجع عمرو إلى قريش فأخبرهم خبر وانه بقي جعفر بأرض الحبشة في إكرام وكرامة ---الخ .(1)

ثانيا : وأكد الإمام الحسن عليه السلام على عداوة عمرو بن العاص للإسلام كما كان في عصر الجاهلية .

ص: 144


1- إعلام الورى بأعلام الهدى – الطبرسي – ص60 -61

فقد كان عمرو احد من يؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة ويشتمه ويضع في طريقه الحجارة ,لأنه كان صلى الله عليه وآله وسلم يخرج من منزله ليلاً فيطوف بالكعبة ,

وكان عمرو يجعل له الحجارة في مسلكه ليعثر بها ,

وهو احد القوم الذين خرجوا إلى زينب ابنة رسول الله لما خرجت مهاجرة من مكة إلى المدينة ,فروعوها وقرعوا هودجها بكعوب الرماح ,حتى أجهضت جنيناً ميتاً من أبي العاص ابن الربيع بعلها ,فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ,نال منه وشق عليه مشقة شديدة ولعنهم .(1)

ثالثا: وذكر عمرو انه هو الذي هجا الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بأبيات وكان يعلمها للصبيان .

قال ابن أبي الحديد :وروى الواقدي أيضاً وغيره من أهل الحديث :أن عمرو بن العاص هجا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هجاء كثيرا ,كان يعلمه صبيان مكة ,فينشدونه ويصيحون برسول الله إذا مرّ بهم ,رافعين أصواتهم بذلك الهجاء ,فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وهو يصلي بالحجر :اللهم ان عمرو بن العاص هجاني ,ولست بشاعر ,فالعنه بعدد ما هجاني .(2)

وهذا ما أوضحه الإمام الحسن بن علي عليهما السلام بقوله :

وأما أنت يا عمرو بن العاص الشاني اللعين الأبتر ، فإنما أنت كلب أول أمرك ، أن أمك بغية ، وأنك ولدت على فراش مشترك ، فتحاكمت فيك رجال قريش منهم أبو سفيان بن الحرب ، والوليد بن المغيرة ، وعثمان بن الحرث ، والنضر بن الحرث بن كلدة ، والعاص بن وايل ، كلهم يزعم أنك ابنه ، فغلبهم عليك من بين قريش ألأمهم حسبا ، وأخبثهم منصبا ، وأعظمهم بغية ،

ص: 145


1- شرح نهج البلاغة –لابن ابي الحديد المعتزلي –ج6- ص137
2- شرح نهج البلاغة –لابن ابي الحديد –ج6-ص137

ثم قمت خطيبا وقلت : أنا شاني محمد ،

وقال العاص بن وايل : إن محمدا رجل أبتر لا ولد له ، فلو قد مات انقطع ذكره ، فأنزل الله تبارك وتعالى : " إن شانئك هو الأبتر "

وكانت أمك تمشي إلى عبد قيس تطلب البغية ، تأتيهم في دورهم ورجالهم وبطون أوديتهم.

ثم كنت في كل مشهد يشهده رسول الله من عدوه أشدهم له عداوة ، وأشدهم له تكذيبا.

ثم كنت في أصحاب السفينة : الذين أتوا النجاشي والمهجر الخارج إلى الحبشة في الإشاطة بدم جعفر بن أبي طالب وساير المهاجرين إلى النجاشي ، فحاق المكر السيء بك ، وجعل جدك الأسفل ، وأبطل أمنيتك ، وخيب سعيك ، وأكذب أحدوثتك ، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى ، وكلمة الله هي العليا .

وأما قولك في عثمان ، فأنت يا قليل الحياء والدين ألهبت عليه نارا ، ثم هربت إلى فلسطين تتربص به الدوائر ، فلما أتاك خبر قتله حبست نفسك على معاوية ، فبعته دينك يا خبيث بدنيا غيرك ، ولسنا نلومك على بغضنا ، ولم نعاتبك على حبنا ، وأنت عدو لبني هاشم في الجاهلية والإسلام ،

وقد هجوت رسول الله صلى الله عليه وآله بسبعين بيتا من شعر ،

فقال رسول الله : " اللهم إني لا أحسن الشعر ، ولا ينبغي لي أن أقوله فالعن عمرو بن العاص بكل بيت ألف لعنة "

ثم أنت يا عمرو المؤثر دنياك على دينك أهديت إلى النجاشي الهدايا ، ورحلت إليه رحلتك الثانية ، ولم تنهك الأولى عن الثانية ، كل ذلك ترجع مغلوبا ، حسيراً ، تريد

ص: 146

بذلك هلاك جعفر وأصحابه ، فلما أخطأك ما رجوت وأملت أحلت على صاحبك عمارة بن الوليد .(1)

الإمام الحسن عليه السلام يرد على الفاسق

فقد رد الإمام عليه السلام على الوليد بن عقبة بما لا يمكن تكذيبه ولاإبطاله فقد قال:

وأما أنت يا وليد بن عقبة فوالله ما ألومك أن تبغض عليا وقد جلدك في الخمر ثمانين جلدة ، وقتل أباك صبرا بيده يوم بدر ، أم كيف تسبه وقد سماه الله مؤمنا في عشرة آيات من القرآن ، وسماك فاسقا ، وهو قول الله عز وجل : " أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستون "

وقوله : " إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين "

وما أنت وذكر قريش وإنما أنت ابن علج من أهل صفورية اسمه : " ذكوان "

وأما زعمك أنا قتلنا عثمان فوالله ما استطاع طلحة ، والزبير ، وعائشة ، أن يقولوا ذلك لعلي بن أبي طالب فكيف تقوله أنت ، ولو سألت أمك من أبوك إذ تركت ذكوان فألصقتك بعقبة بن أبي معيط ، اكتسبت بذلك عند نفسها سناء ورفعة ، مع ما أعد الله لك ولأبيك ولأمك من العار والخزي في الدنيا والآخرة ، وما الله بظلام للعبيد .

ثم أنت يا وليد والله أكبر في الميلاد ممن تدعى له ،

فكيف تسب عليا ولو اشتغلت بنفسك لتثبت نسبك إلى أبيك لا إلى من تدعى له ، ولقد قالت لذلك أمك " يا بني أبوك والله ألأم وأخبث من عقبة " (2).

ص: 147


1- الاحتجاج –الطبرسي –ج1-ص411-412
2- الاحتجاج –الطبرسي –ج1- ص412

بيان واضح

هنالك عدة أمور لابد أن تكون واضحة لكل ذي لب وهذه هي :

أولاً :إن الوليد سكر وصلى الصبح بأهل الكوفة أربعاً ثم التفت إليهم .

وقال :أزيدكم؟

فقال له ابن مسعود :مازلنا معك في زيادة منذ اليوم وشهدوا عليه عند عثمان فأمر علياً بجلده فأمر علي عليه السلام عبد الله بن جعفر فجلده .

وقال الحطيئة .

شهد الحطيئة يوم يلقى ربه *** أن الوليد أحق بالعذر

نادى وقد تمت صلاتهم *** أأزيدكم ؟سكراً وما يدري

فأبوا أبا وهب ولو أذنوا *** لقرنت بين الشفع والوتر

كفوا أعنانك إذ جريت ولو *** تركوا عنانك لم تزل تجري

فلما علم عثمان من الوليد شرب الخمر عزله وولى سعيد بن العاص بن أمية .(1)

ثانياً :وسمى الوليد فاسقاً بنص القرآن الكريم وذلك قال الحارث بن أبي ضرار :قدمت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدعاني إلى الإسلام , فدخلت فيه وأقررت به ,ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها ,

فقلت :يا رسول الله ارجع إلى قومي فادعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة فمن استجاب لي منهم جمعت من زكاته فترسل إلي يا رسول الله لأبان كذا وكذا ,ليأتيك بما جمعت من الزكاة ,فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الأبان الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبعث إليه ,احتبس عليه الرسول فلم يأته ,فظن الحارث انه قد حدث فيه سخطة من الله ومن رسوله ,فدعا سروات قومه ,فقال

ص: 148


1- الكامل في التأريخ –لابن الاثير –ج3-ص350

لهم:إن رسول الله قد كان وقت لي وقتاً ليرسل إليّ برسوله ,ليقبض ما كان عندي من الزكاة , وليس من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخلف ,ولا أرى رسوله احتبس إلا من سخطة كانت ,فانطلقوا فنأتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ,وبعث رسول الله الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى الحارث ,ليقبض ما كان عنده ,مما جمع من الزكاة ,فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق ,فرجع فأتى رسول الله صلى عليه وآله وسلم

فقال: يا رسول الله أن الحارث قد منعني الزكاة وأراد قتلي ,فضرب رسول الله البعث إلى الحارث ,واقبل الحارث بأصحابه إذ استقبل البعث قد فصل من المدينة ,إذ لقيهم الحارث فلما غشيهم .

قال :إلى من بعثتم ؟

قالوا :إليك

قال :ولم ؟

قالوا :إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان بعث إليك الوليد بن عقبة فرجع إليه فزعم أنك منعته الزكاة ,وأردت قتله ,

فقال :لا والذي بعث محمداً بالحق ما رأيته ولا أتاني ,فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

قال له :منعت الزكاة وأردت قتل رسولي ؟

قال :لا ,والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني , ولا أقبلت إلا حين احتبس عليّ رسولك ,خشيت أن يكون كانت سخطة من الله تعالى ومن رسوله ,

ص: 149

فنزلت (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة ----إلى قوله تعالى والله عليم حكيم ) .(1)

ثالثاً :وأما اتهامه لعلي بن أبي طالب عليه السلام .

فقد ذكر عن أبي عمرو أن الوليد قال لعقيل :يا با يزيد غلبك أخوك على الثروة ,قال :نعم وسبقني وإياك إلى الجنة ,

قال :أما والله إن شدقيه لمضمومان من دم عثمان.

قال :وما أنت وقريش ؟ والله ما أنت فينا إلا كنطيح التيس ,فغضب الوليد من قوله ,وقال :والله لو أن أهل الأرض اشتركوا في قتله لأرهقوا صعوداً ,وان أخاك لأشد هذه الأمة عذاباً .

فقال عقيل :صهٍ والله إنا لنرغب بعبد من عبيده عن صحبة أبيك عقبة بن أبي معيط.(2)

رابعاً :إن الوليد بن عقبة كان يسب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام .قال أبو القاسم البلخي :من المعلوم الذي لا ريب فيه لاشتهار الخبر به ,وطباق الناس عليه ,أن الوليد بن عقبة بن أبي معيط كان يبغض علياً ويشتمه .(3)

الإمام الحسن عليه السلام يدافع عن حقه .

وأما أنت يا عتبة بن أبي سفيان : فو الله ما أنت بحصيف فأجاوبك ، ولا عاقل فأعاقبك ، وما عندك خير يرجى ، وما كنت ولو سببت علياً لأعير به عليك ، لأنك عندي لست بكفوء لعبد علي بن أبي طالب فأرد عليك ، وأعاتبك ، ولكن الله عز وجل لك ولأبيك وأمك وأخيك لبالمرصاد ، فأنت ذرية آبائك الذين ذكرهم الله في

ص: 150


1- أسد الغابة في معرفة الصحابة –لابن الاثير –ج1-ص399-400
2- الغارات –لابي هلال الثقفي –ص380 -381
3- شرح نهج البلاغة –لابن ابي الحديد –ج4-ص81

القرآن فقال : " عاملة ناصبة * تصلى نارا حامية * تسقى من عين آنية * - إلى قوله - من جوع "

. وأما وعيدك إياي أن تقتلني ، فهلا قتلت الذي وجدته على فراشك مع

حليلتك ، وقد غلبك على فرجها وشركك في ولدها حتى الصق بك ولدا ليس لك ويلا لك لو شغلت نفسك بطلب ثارك منه كنت جديرا ، ولذلك حريا ، إذ تسومني القتل وتوعدني به ،

ولا ألومك أن تسب عليا وقد قتل أخاك مبارزة ، واشترك هو وحمزة بن عبد المطلب في قتل جدك حتى أصلاهما الله على أيديهما نار جهنم وأذاقهما العذاب الأليم ، ونفى عمك بأمر رسول الله .

وأما رجائي الخلافة ، فلعمر الله إن رجوتها فإن لي فيها لملتمساً ، وما أنت بنظير أخيك ، ولا بخليفة أبيك ، لأن أخاك أكثر تمردا على الله ، وأشد طلبا لإهراقه دماء المسلمين ، وطلب ما ليس له بأهل ، يخادع الناس ويمكرهم ، ويمكر الله والله خير الماكرين .

وأما قولك : " إن عليا كان شر قريش لقريش " فوالله ما حقر مرحوما ولا قتل مظلوما .

توضيح لابد منه

أولا :فقد ذكر الإمام الحسن عليه السلام عتبة بن أبي سفيان .أن اللّحياني وجد في فراش عتبة ولم يقتله حتى قال نصر بن حجاج فيه :

يا للرجال وحادث الأزمان *** ولسُبة تخزى أبا سفيان

ص: 151

نُبئتٌ عتبة خانه في عرسه *** جبس لئيم الأصل من لحيان.(1)

وثانياً :أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قد وتر مشركي قريش .فقد بارزه الوليد بن عتبة فقتله وبارز عتبة حمزة بن عبد المطلب فقتله حمزة وبارز شيبة عبيدة بن الحارث فاختل بينهما ضربتان قطعت أحداهما فخذ عبيدة فاستنقذه علي بضربة بدر بها شيبة فقتله وشركه في ذلك حمزة .(2)

ثالثاً :فان أمير المؤمنين عليه السلام قد بين أن الغدر والدهاء لا ينفعان في الدنيا ولا في الآخرة .

قال :والله ما معاوية بأدهى منّي ,ولكنه يغدر ويفجر ,ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس ,ولكن كل غدرة فجرة ,وكل فجرةٍ كفرة (ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة )

والله ما أستغفل بالمكيدة ,ولا أستغمز بالشديدة .(3)

الإمام الحسن عليه السلام يثأر لحقه .

فقد رد الإمام الحسن بن علي عليهما السلام على المغيرة بأدلة لا يمكن نقضها وذلك:

وأما أنت يا مغيرة بن شعبة ! فإنك لله عدو ، ولكتابه نابذ ، ولنبيه مكذب وأنت الزاني وقد وجب عليك الرجم ، وشهد عليك العدول البررة الأتقياء ، فأخر رجمك ، ودفع الحق بالأباطيل ، والصدق بالأغاليط

وذلك لما أعد الله لك من العذاب الأليم ، والخزي في الحياة الدنيا ، ولعذاب الآخرة أخزى ،

ص: 152


1- شرح نهج البلاغة –لابن ابي الحديد –ج6-ص293
2- إعلام الورى بأعلام الهدى – الطبرسي –ص199
3- نهج البلاغة –ص369

وأنت الذي ضربت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله حتى أدميتها وألقت ما في بطنها ، استدلالا منك لرسول الله صلى الله عليه وآله ومخالفة منك لأمره ، وانتهاكاً لحرمته,

وقد قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله : " يا فاطمة أنت سيدة نساء أهل الجنة " والله مصيرك إلى النار ، وجاعل وبال ما نطقت به عليك ، فبأي الثلاثة سببت عليا ، أنقصا في نسبه ، أم بعدا من رسول الله ، أم سوء بلاء في الإسلام ، أم جورا في حكم ، أم رغبة في الدنيا ؟ ! إن قلت بها فقد كذبت وكذبك الناس ،

أتزعم أن عليا عليه السلام قتل عثمان مظلوما ؟ ! فعلي والله أتقى وأنقى من لائمه في ذلك ، ولعمري لئن كان علي قتل عثمان مظلوما فو الله ما أنت من ذلك في شيء ، فما نصرته حيا ولا تعصبت له ميتا ، وما زالت الطائف دارك تتبع البغايا ، وتحيي أمر الجاهلية ، وتميت الإسلام ، حتى كان ما كان في أمس .

وأما اعتراضك في بني هاشم وبني أمية فهو ادعاءك إلى معاوية .

وأما قولك في شأن الإمارة وقول أصحابك في الملك الذي ملكتموه ، فقد ملك فرعون مصر أربعمائة سنة ، وموسى وهارون نبيان مرسلان عليهما السلام يلقيان ما يلقيان من الأذى ، وهو ملك الله يعطيه البر والفاجر ، وقال الله : " وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين "

وقال : " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا " .

بيان للمغيرة وقومه

فقد بين الإمام عليه السلام عدة أمور لابد من ذكرها :

ص: 153

أولاً: ذكر الحسن بن أبي الحسم البصري ,أن عتبة بن غزوان حين استعمل المغيرة على البصرة وأراد الرحيل ,قام في الناس فحمد الله وأثنى عليهم وأخبرهم باستخلافه .

ثم خرج فقدم على عمر فلما قضى حجة حبسه عنده وأثبت المغيرة ,فغزا المغيرة صاحب ميسان فظهر عليه وفتح أرضه وبعث بالفتح إلى عمر مع أبي بكر بشيراً.فأقام المغيرة في البصرة أميراً ,وقد ابتنى الناس المنازل ,وكثر عددهم ,وحسنت حالهم ,فكان المغيرة يختلف إلى امرأة من بني هلال بن عامر بن صعصعة يقال لها :أم جميل بنت محجن بن الأختم عمر بن شعبة .

وكان لها زوج من ثقيف يقال له الحجاج بن عينك ,وهلك هناك ,فبلغ ذلك شبل بن معبد البجلي .

قال أبو المنذر :وليس في البصرة من بجيلة غير بيت شبل بن معبد وأبي بكرة واسمه نفيع بن مسروح ونافع بن الحارث بن كلدة الثقفي وزيادة بن عبيدة فرصدوه حتى دخل عليها .وعندئذ اقتحموا عليهما فإذا هما عريانان ,وإذا هو بين فخذيها متبطنها ,فخرجوا إلى عمر بن الخطاب فأخبروه الخبر ,فبعث عمر أبا موسى الأشعري ,وكتب إلى المغيرة :أما بعد فإني قد بعثت إليك أبا موسى على عملك فخله وإياه ,وأقبل إليّ ولا تلبث والسلام .

واقبل أبو موسى حتى إذا كان بظهر البصرة أصاب من الغذاء هو وأصحابه ثم ادهنوا ولبسوا ثيابهم ,فأتى المغيرة فقيل له هذا أبو موسى قد قدم .

فقال :أقسم ما جاء زائراً ولا تاجراً .

وروي أنه لما لم يرجع عتبة إلى البصرة ,وبقي المغيرة عاملاً عليها كان يختلف إلى أم جميل ليلاً فلقيه أبو بكرة ,

فقال :أين يذهب الأمير في هذه الساعة ؟

ص: 154

فقال :أزور بعض أخواني .

فقال أبو بكرة :إن الأمير يزار ولا يزور ,فلم يزل أبو بكرة يتبعه حتى عرف مدخله ,ورصده ذات يوم وقد دخل عليها وترك الباب مفتوحاً فسها أن يغلقه , وبعث أبوبكرة إلى أخويه زياد ونافع وشبل بن معبد ,فدخلوا عليه وهو معها في لحاف فنظروا إلى جميع أمره ثم شخص أبو بكرة إلى عمر .

وكان عمر إذا نظر إليه قال :اللهم إني أعوذ بك من شر ما جاء به وكان لا يأتيه إلا في شر ,فلما رآه قال :ما وراءك ؟

قال :زنى المغيرة .

فقال :ما تقول ؟

قال : الحق والله يا أمير المؤمنين ,

قال :ومن يعلم ذلك ؟

قال : زياد ونافع وشبل وهو بجيلة حليف ثقيف .

فدعا أبا موسى فقال :أني أريد أن أوجهك إلى أرض قد فرخ فيها الشيطان بأعور ثقيف ,فلاتحلّن عقدة حتى تشخص إليّ المغيرة والشهود .

وكتب إلى المغيرة : أما بعد فقد بلغني عنك أمر لو كنت متّ من قبله كان خيراً ,فإذا جاءك كتابي هذا فاشخص إليّ أنت وزياد وشبل بن معبد فقد وليت أبا موسى عليك فسلمه إليه,إن جاء والسلام .

فلما قدم أبو موسى قيل للمغيرة هذا أبو موسى قد أتاك ,

فقال :والله ما أتى زائراً ولا تاجراً ,

فلما دخل عليه قال له المغيرة :يا أبا موسى ما ابتلى به أخوك من بعدك ؟

ص: 155

قال :قد أمرني أمير المؤمنين أن أشخصك إليه والشهود .

فشخصوا حتى قدموا على عمر ,فأحضره وأحضر الشهود وقال لأبي بكرة: بم تشهد؟

قال :أشهد على المغيرة أنه زنى بأم جميل ,ورأيت منه فيها كالميل في المكحلة ,ورأيت جدريا بعجيزتها .

فقال عمر :ذهب ربع المغيرة ,ثم قال نافع فشهد بمثل ما شهد به ,

فقال عمر :ذهب نصف المغيرة ,ثم قام شبل فشهد بمثل ما شهدا به .

فقال عمر :ذهب ثلاثة أرباع المغيرة ,ثم قام زياد

فقال عمر :ما كان ليٌرجم رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشهادته .

فاخترط المغيرة سيفه وأراد أن يفتك إذا ثبت عليه الشهادة ,

فقال عمر :بم تشهد ؟

قال :سمعت نفساً عالياً ورأيته بين فخذيها في لحاف ولا أدري فعل أم لا ؟

ولم يثبت الشهادة .

فقال عمر للمغيرة :اغمد سيفك عليك لعنة الله ,

فقال :الله اعلم بما كنت فيه وأمر بالثلاثة فجلدوا .

فقال شبل :أتجلد الشهود وتبطل الحدود بما تحب يا عمر ؟

فقال المغيرة :الحمد لله الذي أخزاكم .

فقال عمر :اسكت لعن الله موضعاً رئيت فيه .

ص: 156

وقال نافع بن الحارث : أنت يا عمر جلدتنا ظالماً ,ورددت صاحبنا أن يشهد علّمته هواك فتبعك ,ولو كان تقياً كان رضا الله والحق آثر عنده من رضاك .

ولما جُلد أبو بكرة قال :اشهد على المغيرة أنه زان وقد رأيت عجانة ,وهو على بطنها وذكره في قلبها ,فلما سمع حسّنا أخرجه منها ,وأنا أراه ,وما أنسى رقطاء يفجر بها .

فأراد عمر أن يجلده أيضاً فقال له علي عليه السلام : إن جلدته أكملت شهادة أربعة ورجمت صاحبك فتركه ,

فقال أبو بكرة :والله لا أكلمك من رأسي كلمة أبداً ---إلى الخ .(1)

ثانياً :إن الإمام الحسن عليه السلام أكد على احترام أمه فاطمة بنت رسول الله وهي سيدة النساء على العالمين .ويرضى رب العالمين لرضاها ويغضب لغضبها

فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :فاطمة سيدة نساء أهل الجنة .

وعن المسور بن مخرمة :أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :فاطمة بضعة منّي ,فمن أغضبها أغضبني .(2)

ومن اغضب رسول الله فقد اغضب الله تعالى

ثالثاً :وكان المغيرة ينال من أمير المؤمنين عليه السلام

فقد قال أبوبكر بن عياش عن حصين عن هلال بن يساف عن عبد الله بن ظالم ,

قال :كان المغيرة ينال في خطبته من علي وأقام خطباء ينالون منه .(3)

ص: 157


1- مثالب العرب والعجم –لهشام بن محمد الكلبي –ص173-176-ح163
2- صحيح البخاري –محمد بن اسماعيل البخاري –ص684 –ح3767
3- سير أعلام النبلاء – الذهبي –ج4 –ص18

رابعاً:إن أهم ما امتازت به خلافة الإمام علي بن أبي طالب وولده الحسن عليهما السلام أن الخلافة كانت عن رضى وتسليم من دون إكراه أو فلتات ,ولذا قال أميرالمؤمنين عليه السلام :لم تكن بيعتكم إياي فلتة ,وليس أمري وأمركم واحداً .إني أريدكم لله وأنتم يريدونني لأنفسكم .

أيها الناس ,أعينوني على أنفسكم ,وأيم الله لأنصفنّ المظلوم من ظالمه ,ولأقودنّ الظالم بخزامته , حتى أورده منهل الحق وإن كان كارهاً .(1)

انتصار الإمام الحسن عليه السلام

ثم قام الحسن فنفض ثيابه وهو يقول : " الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات " هم والله يا معاوية : أنت وأصحابك هؤلاء وشيعتك ،

" والطيبون للطيبات - أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم "

ثم : علي بن أبي طالب عليه السلام وأصحابه وشيعته .

ثم خرج وهو يقول لمعاوية : ذق وبال ما كسبت يداك وما جنت ، ما قد أعد الله لك ولهم من الخزي في الحياة الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة .

فقال معاوية لأصحابه : وأنتم فذوقوا وبال ما جنيتم .

فقال الوليد بن عقبة : والله ما ذقنا إلا كما ذقت ، ولا اجترأ إلا عليك .

فقال معاوية : ألم أقل لكم إنكم لن تنتقصوا من الرجل فهلا أطعتموني أول مرة فانتصرتم من الرجل إذ فضحكم ، فوالله ما قام حتى أظلم علي البيت ، وهممت أن أسطو به فليس فيكم خير اليوم ولا بعد اليوم .

ص: 158


1- نهج البلاغة –ص223-من كلام له عليه السلام في أمر البيعة

قال : وسمع مروان بن الحكم بما لقي معاوية وأصحابه المذكورون من الحسن بن علي عليهما السلام ، فأتاهم فوجدهم عند معاوية في البيت فسألهم : ما الذي بلغني عن الحسن و زعله ؟

قالوا : قد كان كذلك .

فقال لهم مروان : أفلا أحضرتموني ذلك . فو الله لأسبنه ولأسبن أباه وأهل البيت سبا تتغنى به الإماء والعبيد .

فقال معاوية والقوم : لم يفتك شيء وهم يعلمون من مروان بذو لسان وفحش.

فقال مروان : فأرسل إليه يا معاوية فأرسل معاوية إلى الحسن بن علي . فلما جاء الرسول قال له الحسن عليه السلام ما يريد هذا الطاغية مني ؟ والله إن أعاد الكلام لأوقرن مسامعه ما يبقى عليه عاره و شناره إلى يوم القيامة ، فأقبل الحسن فلما جاءهم وجدهم بالمجلس على حالتهم التي تركهم فيها ، غير أن مروان قد حضر معهم في هذا الوقت ، فمشى الحسن عليه السلام حتى جلس على السرير مع معاوية وعمرو بن العاص .

ثم قال الحسن لمعاوية : لم أرسلت إلي ؟

قال : لست أنا أرسلت إليك ولكن مروان الذي أرسل إليك .

فقال مروان : أنت يا حسن السباب لرجال قريش ؟

فقال له الحسن : وما الذي أردت ؟

فقال مروان : والله لأسبنك وأباك وأهل بيتك سبا تتغنى به الإماء والعبيد .

فقال الحسن عليه السلام : أما أنت يا مروان فلست أنا سببتك ولا سببت أباك ، ولكن الله عز وجل لعنك ولعن أباك ، وأهل بيتك ، وذريتك ، وما خرج من صلب أبيك إلى يوم القيامة ، على لسان نبيه محمد والله يا مروان ما تنكر أنت ولا أحد ممن حضر هذه اللعنة من رسول الله صلى الله عليه وآله لك ولأبيك من قبلك ، وما

ص: 159

زادك الله يا مروان بما خوفك إلا طغيانا كبيرا ، وصدق الله وصدق رسوله يقول الله تبارك وتعالى : " والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا" وأنت يا مروان وذريتك الشجرة الملعونة في القرآن ، وذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن جبرئيل عن الله عز وجل .

فوثب معاوية فوضع يده على فم الحسن وقال : يا أبا محمد ما كنت فحاشا ولا طياشاً ،

فنفض الحسن عليه السلام ثوبه ، وقام فخرج ، فتفرق القوم عن المجلس بغيظ ، وحزن ، وسواد الوجوه في الدنيا والآخرة .

تنبيه لابد منه

إن الإمام الحسن عليه السلام من شأنه أن يسب أحدا من المسلمين وإنما يظهر مساوئ القوم الذين يكيلون له العداوة والبغضاء .وكان منهم مروان بن الحكم الذي حاول أن ينال من الإمام عليه السلام بكافة الأنواع السباب .

لكن فتى الهاشميين نال منه بالأدلة التي شاعت بين المسلمين وكانت عاراً لمن وجدت عنده .

فقد أكد على أن النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم لعن مروان وأباه

فقد ذكر عبد الله بن الزبير قال :أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :يلعن الحكم وما ولد .(1)

كما أن أمير المؤمنين عليه السلام ذكر أن من الغدر والدهاء نصيباً موفورا

قال عليه السلام لمروان بن الحكم :أولم يبايعني بعد قتل عثمان ؟ لا حاجة لي في بيعته ! إنها كفُ يهودية لو بايعني بكفه لغدر بسبتّه .

ص: 160


1- تاريخ دمشق –ابن عساكر –ج60-ص233

أما إن له إمرةً كلعقة الكلب أنفه ,وهو أبو

الأ كبش الأربعة ,فستلقى الأمة منه ومن ولده يوماً موتاً أحمر !(1)

ومن كل ذلك لم يكن الأحد أن ينكر ما قاله الإمام الحسن عليه السلام

ص: 161


1- نهج البلاغة –ص103 –ومن كلام عليه السلام قاله لمروان بن الحكم بالبصرة

الخاتمة

ليست الغاية من تقديم البحث عن الإمام الحسن بن علي عليهما السلام هو إبراز شخصية كانت في زمان ثم ذهبت , وإنما استذكار تلك الشخصية الخالدة التي ضحت وجاهدت في سبيل الإسلام .

تلك الشخصية التي لم يعرفها حق معرفتها سوى جده الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وأبيه أمير المؤمنين عليه السلام وأمه فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وأخيه الحسين عليه السلام .لان هؤلاء عاشروه وعرفوه ما يسمو به ,وعرفوا أن وجوده هو وجود الإسلام بأسره واستشهاده هو استشهاد للإسلام بأسره .

ولذا كان علينا بيان أهمية الإمام الحسن عليه السلام في علمه وكلماته التي هي دستوراً ينبغي أن يتخذه المسلمون في الحياة الدنيا ليكونوا من الفائزين برضوانه تعالى .

إن ما فعله الإمام الحسن عليه السلام في سبيل من جهود جبارة في الحفاظ على المسلمين وعلى قدسية تعاليم الإسلام جاءت نتيجة ما ركزه في نفوس المسلمين لئلا يندثر كما اندثرت تعالم التوراة والإنجيل ولم يبق سوى رسمها .بل حاول الإمام أبو محمد عليه السلام بكل جهوده أن يبعث الحياة من جديد بعدما أوشك المسلمون أن يكونوا طرائق قددا, وبات دين الإسلام يشترى بأ بخس الأثمان محاولةً من الدخلاء على الدين أن يحاولوا انحراف الدين عن مساره الصحيح لأجل غايات التسلط على رقاب المسلمين .ومحاولة الفتك بكل مَن تمسك بالدين الصحيح وإبعاده عن الساحة الإسلامية .

وهكذا جاءت الثمرة اليانعة بعدما أصبح المسلمون يلمسونها ويتفاعلون معها ,وكان للإمام الحسن بن علي عليه السلام الفضل الكبير على الأمة جمعاء في كل زمان ومكان ليكون خالدا في نفوسهم مادام الإسلام خالدا معه .

ص: 162

وعرفاناً من ذلك الحق ينبغي علينا أن نظهر ذلك ولو بأبسط الكلمات عسى أن ينتفع به المسلمون في كل زمان ومكان .

هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين

احمد السيد نوري الحكيم

النجف الأشرف \ 29 \ربيع الثاني \1434

ص: 163

المصادر

1-القرآن الكريم

2-نهج البلاغة-جمعه الشريف الرضي

3-معاني ألأخبار-الصدوق

4-من لا يحضره الفقيه-الصدوق

5-الخصال –الصدوق

6-التوحيد –الصدوق

7-الأمالي –الشيخ المفيد

8-الإختصاص –الشيخ المفيد

9-أصول الكافي –الكليني

10-الفروع من الكافي –الكليني

11-الاحتجاج-احمد بن علي الطبرسي

12-أعلام الورى بأعلام الهدى –الفضل بن الحسن الطبرسي

13-أعلام الدين في صفات المؤمنين-الديلمي

14-كتاب الولاية –لابن عقدة

15-كفاية الأثر في النصوص على الأئمة الإثني عشر-علي بن محمد القمي الرازي

16-كشف الفوائد في شرح العقائد –للمحقق الطوسي والعلامة الحلي

17-صحيح البخاري –محمد بن إسماعيل البخاري

ص: 164

18-صحيح مسلم –مسلم بن الحجاج

19- سنن الترمذي-محمد بن عيسى الترمذي

20-الإصابة في تمييز الصحابة –احمد بن حجر العسقلاني

21-الكامل في التاريخ –لابن الأثير

22- أسد الغابة في معرفة الصحابة –لابن الأثير

23-المستدرك –الحاكم النيسابوري

24-جمهرة نسب قريش وأخبارها –الزبير بن بكار

25-ربيع الأبرار –الزمخشري

26 –الكشاف –الزمخشري

27-تاريخ دمشق –لابن عساكر

28-سير أعلام النبلاء –الذهبي

29-تهذيب سير أعلام النبلاء-الذهبي

30-مقاتل الطالبيين –لأبي الفرج الأصفهاني

31-الأخبار الطوال-احمد بن داود الدينوري

32-الفصول المهمة –علي بن محمد المالكي الشهير بابن الصباغ

33-المطالب السؤول في مناقب آل الرسول-كما الدين بن طلحة الشافعي

34-الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف –لابن طاووس

35-إثبات الوصية-المسعودي

36-المناقب –الخوارزمي

ص: 165

37-شرح نهج البلاغة –لابن أبي الحديد المعتزلي

38-الغارات –لأبي هلال الثقفي

39-كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب –الكنجي الشافعي

40-النزاع والتخاصم –المقريزي

41-مثالب العرب والعجم –هشام بن محمد الكلبي

42-الغدير في الكتاب والسنة والأدب –عبد الحسين الأميني

43- الإتحاف بحب الأشراف –الشبراوي

ص: 166

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.